الحرة

قبل سنوات، لجأ سامر وعائلته إلى لبنان هربا من الحرب في سوريا، لكن الأمن الذي سعوا إليه ترافق مع ظروف معيشية صعبة رافقه خطاب عنصري ضد اللاجئين السوريين، وصولا الى هاجس الترحيل.

فالأسبوع الماضي، انقطعت أخبار شقيقه بعد أن سلمه الجيش اللبناني الى السلطات السورية التي أوقفته.

وشنّ الجيش خلال الأسابيع القليلة الماضية حملات مداهمة واسعة لتوقيف سوريين لا يمتلكون إقامات أو أوراق ثبوتية أسفرت عن توقيف نحو 450 شخصا، تمّ ترحيل أكثر من ستين منهم إلى سوريا، وفق ما أفاد مصدر في منظمة إنسانية مطلع على ملف اللاجئين.



لبنان يشهد حملات عنصرية موجهة ضد اللاجئين السوريين



وشملت المداهمات في إحدى ضواحي بيروت منزل شقيق سامر المتواضع، ورافق الجيش سامر وزوجته وطفليه إلى الحدود حيث سُلّموا إى قوات الأمن السورية التي أطلقت بعد أيام قليلة سراح الزوجة والطفلين، وأوقفت الزوج، وفق رواية شقيقه.

ويقول سامر (26 عاماً) الذي طلب استخدام اسم مستعار خشية على سلامته، لوكالة فرانس برس، "نخاف أن نعيش المصير ذاته، يرحلونا إلى سوريا حيث لا نعرف متى يمكن أن يتم اعتقالنا أو حتى إخفاؤنا".

ويضيف الشاب الذي كان وشقيقه في عداد من شاركوا في الاحتجاجات الشعبية ضد النظام السوري عند اندلاعها العام 2011، "نخاف أن يصبح شقيقي في عداد المفقودين" في سجون النظام.

وبعد اندلاع النزاع في سوريا المجاورة، لجأ عدد كبير من السوريين الى لبنان، إذ تقدّر السلطات حالياً وجود أكثر من مليوني لاجئ على أراضيها، بينما عدد المسجّلين لدى الأمم المتحدة يتجاوز بقليل عتبة 800 ألف.

ومنذ استعادة الجيش السوري السيطرة على الجزء الأكبر من مساحة البلاد، تمارس بعض الدول ضغوطاً لترحيل اللاجئين من أراضيها بحجة تراجع حدّة المعارك، لكن ذلك لا يعني، وفق منظمات حقوقية ودولية، أن عودة اللاجئين باتت آمنة في ظل بنى تحتية متداعية وظروف اقتصادية صعبة وملاحقات أمنية تشمل اعتقالات تعسفية وتعذيبا.



أطفال لاجئون.. نظرة أمل مشوبة بالخوف والقلق



في لبنان، تنوّعت الضغوط على اللاجئين السوريين من حظر تجول في أوقات معينة وتوقيفات وترحيل قسري إلى مداهمات وفرض قيود على معاملات الإقامة. بينما تنظر السلطات إلى ملف اللاجئين بوصفه عبئاً، وتعتبر أن وجودهم ساهم في تسريع ومفاقمة الانهيار الاقتصادي المتواصل منذ 2019.

"تعبنا.. نريد حلا"

ويقول سامر:"نحن أيضاً تعبنا ونريد حلاً. لا نريد أموالاً ولا نريد أي شيء من لبنان"، موضحا: "يتهموننا أننا نأخذ مساعدات من الأمم المتحدة بالدولار، لكن ذلك غير صحيح".

وتؤكد مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن المسجلين لديها يحصلون على مساعدة نقدية بالليرة اللبنانية فقط، وأن التمويل المتوافر لديها يغطي 43 في المئة من اللاجئين المحتاجين.

وأشارت المفوضية مؤخراً، في تصريح لوكالة فرانس برس، إلى ارتفاع في عدد المداهمات في مناطق يقطن فيها لاجئون سوريون في منطقتي جبل لبنان والشمال، بينها 13 مداهمة على الأقل في شهر أبريل.

وأفادت المنظمة عن تقارير تفيد بأن بين الموقوفين والمرحلين لاجئين مسجلين لديها.



أوضاع مزرية يعاني منها الكثير من اللاجئين السوريين



وأوضح المصدر المتابع للملف لوكالة فرانس برس أن في بعض الحالات فُرّق أطفال عن عائلاتهم.

وأعرب عدد من السوريين عن خوف يتملكهم في الأيام الأخيرة يمنعهم حتى من الخروج إلى الشارع.

ويقول أبو سليم الذي طلب استخدام اسم مستعار، "منذ أيام أجلس ونحو عشرين عاملاً سورياً آخر في مستودع المكان الذي نعمل فيه خشية توقيفنا".

ويخاف أبو سليم أن يتمّ تسليمه للسلطات السورية بعدما عانى ست سنوات في سجونها حيث تعرّض لتعذيب شديد، على حدّ قوله.

ويضيف: "لا أريد أن أعيش تجربة الاعتقال مجدداً، إذا دخلت السجن مجدداً، لن أخرج منه".

"لماذا الكراهية؟"

وترأس رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الأربعاء اجتماعين لبحث ملف اللاجئين السوريين، تم التأكيد خلالهما على مواصلة تدابير الجيش والقوى الأمنية "بحق المخالفين خصوصا لجهة الداخلين بصورة غير شرعية وغير الحائزين على الوثائق الرسمية والقانونية".



تنتشر في لبنان العديد من مخيمات اللجوء العشوائية



واعتبر وزير الشؤون الاجتماعية، هكتور حجار، الشهر الحالي أن الموضوع بات "قضية حياة وموت"، محذراً من "تغييرات ديموغرافية خطيرة وسنصبح لاجئين في بلدنا".

وارتفع خلال الأسابيع الماضية مجدداً خطاب الكراهية تجاه السوريين، وطالب لبنانيون كثر عبر وسائل التواصل الاجتماعي بإخراجهم من لبنان.

ويتساءل عمار (31 عاماً)، اللاجئ السوري في لبنان منذ 2014، "لِمَ كل هذه الكراهية تجاهنا؟ نحن شعب لجأنا إلى هنا هرباً من الموت، ماذا فعلنا لكم؟".

ويعيش عمار، الوالد لطفل رضيع، في حيرة من أمره منذ بدء المداهمات الأخيرة.

ويقول: "لم أخرج من المنزل منذ أن سمعت عن الترحيل، لكنني أخاف أيضاً أن يقتحم الجيش بيتي ويسلّمني، كما أنني مضطر إلى العودة إلى العمل لأشتري الحليب لطفلي الرضيع".

كان عمار يأمل أن يتخرج من كلية إدارة الأعمال، لكن النزاع في بلده دفع به للجوء الى لبنان حيث يعمل في خدمة التوصيلات.

ويضيف: "لو كنت أعرف أن الأمور ستصعب بهذا الشكل، لما تزوجت ودمرت حياة عائلتي معي".

ومع استمرار تدهور الأوضاع المعيشية في سوريا، بات كثر يعبرون إلى لبنان عبر طرق التهريب، أملاً في ركوب قوارب الهجرة غير القانونية أصبح لبنان نقطة انطلاق لها نحو أوروبا منذ فترة.



كثيرون من السوريين فروا إلى لبنان هربا من الحرب في بلادهم



ويقول عمار: "قد أجد الأمل في البحر، لكن في سوريا لم يعد هناك من أمل".

ويضيف: "أفضّل الموت في البحر على العودة إلى سوريا".