أكدت دراسة متخصص انه بالرغم من حالة الغموض التي تعتري المشهد الاقتصادي العالمي - وذلك في ضوء انخفاض أسعار النفط، وارتفاع أسعار الفائدة الأميركية، وتباطؤ الاقتصاد الصيني، ورفع العقوبات عن إيران - تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بوضع أفضل لمواجهة هذه التغيرات مقارنة بالعديد من المناطق الأخرى حول العالم. ووفقاً لتقرير جديد نشره معهد المحاسبين القانونيين في انجلترا وويلز ICAEW، من المتوقع أن تواصل هذه الدول مشوار النمو نحو عام 2016 وبقوة، وإن كان بوتيرة أبطأ قليلاً.وفي دراسة لمركز أبحاث الاقتصاد والأعمال Cebr – وهو شريك معهد ICAEW والمُتخصّص في التوقعات الاقتصادية أعد تقرير رؤى اقتصادية: الشرق الأوسط في الربع الأخير من 2015، وذلك بتكليف من معهد المحاسبين القانونيين ، أوضح حيث أن تغيّر موجة انخفاض أسعار النفط جذرياً من أنماط الإنفاق العام في شتى أنحاء المنطقة، وينبغي على العائلات والشركات أن يتأهبوا لعدد أقل من المزايا. ومن خلال الاعتماد على مزيج من سياسات التنويع واللجوء إلى الاحتياطات المالية، ستتمكن دول مجلس التعاون الخليجي المصدّرة للنفط من الاستمرار في خططها للتنمية الاقتصادية على المدى القصير. ومع ذلك، فإن الأداء القوي على المدى الطويل سيتطلب إعادة النظر في كل من أولويات الإنفاق العام ومصادر الإيرادات الحكومية.وذكر لم تعد الحكومة البحرينية تقدم أي دعم لأسعار اللحوم، كما تم تطبيق إجراءات مشابهة على الوقود والكهرباء والمياه. كما لجأت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى رفع الدعم عن الوقود. أما قطر، فليس لديها أي خطط فورية لتقليل الدعم أو إلغاء التمويل لأي من المشاريع الحكومية.وتقول نينا سكيرو، المستشارة الاقتصادية لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW والخبيرة الاقتصادية في مركز أبحاث الاقتصاد والأعمال Cebr: "بالنظر إلى الامتداد غير المتوقع لتراجع الإيرادات الحكومية، سيكون من الصعب على البلدان المصدّرة للنفط أن تتمسّك بالتزاماتها الحالية. وسيكون من الضروري على ما يبدو تنفيذ المزيد من الإصلاحات بشأن سياسات الإنفاق العام، ولكن إذا تم التعامل مع هذا التحوّل بطريقة تدريجية وفي الوقت المناسب، لا بد أن يستمر النمو الاقتصادي القوي في كافة دول مجلس التعاون الخليجي".تشديد السياسة النقدية في أميركاومع استعدادات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لرفع أسعار الفائدة خلال الأشهر المقبلة، من المرجح أن تواجه دول مجلس التعاون الخليجي صعوبات أكبر لكي تحافظ على ربط عملاتها بالدولار. وبسبب ما تمتلكه من صناديق ضخمة للثروات السيادية والفوائض التجارية، تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بوضع أفضل لتكون قادرة على الصمود أمام تشديد السياسة النقدية في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن ظهور أي فجوات واسعة في أسعار الفائدة سيجعل دول مجلس التعاون الخليجي عرضة لزعزعة استقرار التدفقات المالية. وفي حين أن الولايات المتحدة تبدأ إجراءات رفع أسعار الفائدة تدريجياً، سيتحتم على دول الشرق الأوسط أن تحذو حذوها. ولا يعتبر هذا السيناريو مثالياً، خاصة في وقت يتباطأ فيه النمو الاقتصادي أصلاً بسبب انخفاض الإيرادات النفطية. ومن شأن الفصل المحتمل لدورات السياسة النقدية في الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي أن يجعل الوضع أكثر صعوبة فيما يتعلق بالحفاظ على ربط العملات.تباطأ الاقتصادي الصينيويتباطأ الاقتصادي الصيني أيضاً بمعدل أسرع من المتوقع، مما يفرض تحديات على الدول المصدّرة للسلع الأساسية في مجلس التعاون الخليجي. ففي 2013، كانت قرابة 12% من الصادرات الشرق أوسطية تُباع إلى الصين. كما تمضي عدة حكومات في المنطقة، والكثير من الشركات أيضاً، في توجيه استثماراتها نحو الشرق. ففي شهر أبريل، افتتحت قطر أول مركز في دول مجلس التعاون اليخيجي لتخليص المعاملات باليوان، بهدف تعزيز الروابط الاقتصادية بين الصين والشرق الأوسط. لكن التباطؤ الصيني قد انعكس سلباً على رغبة الحكومات والشركات المحلية في توطيد العلاقات التجارية مع البلاد. ومع ذلك، فإن إرساء علاقات وثيقة مع الشرق الأقصى يبقى بمثابة استراتيجية قابلة للتطبيق من أجل دفع عجلة التنمية الاقتصادية بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، لا سيما مع اتخاذ مستويات ملائمة من التدابير الاحترازية.إيران ورفع العقوبات الدوليةوفي ظل رفع العقوبات الدولية عن إيران تدريجياً، ستبدأ هذه الدولة النفطية في التنافس بضراوة مع البلدان الأخرى المصدّرة للنفط، مما يبرز حاجة ماسة لتقييم سياسات الإنفاق العام. إلا أن فتح الأسواق من شأنه أيضاً أن يستحدث فرصاً عديدة للشركات في أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي. وينبغي على تلك الشركات التي تفكر في دخول السوق الإيرانية أن تأخذ في الحسبان، أن البلاد ستحتاج على الأرجح إلى وقت للتأقلم مع الزيادة في النشاط التجاري الدولي، حتى مع رفع العقوبات عنها. بالإضافة إلى ذلك، لن يتم رفع كافة مستويات العقوبات عن إيران، ويعني ذلك أن العديد من الشركات سيكون لديها قدرات محدّدة فقط للعمل في البلاد.ويقول مايكل آرمسترونغ، المحاسب القانوني المعتمد والمدير الإقليمي لمعهد المحاسبين القانونيين ICAEW في الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا: "لقد كانت سنة قاسية بالنسبة إلى الاقتصاد العالمي، وليست دول مجلس التعاون الخليجي في منآى عن هذه الضغوطات. لقد تم تخفيض توقعات النمو العالمي، لكن سياسات التنويع الاقتصادي التي تتبعها حكومات مجلس التعاون الخليجي ستجعلها قادرة على الصمود في مواجهة التباطؤ بشكل أفضل مقارنة بالمناطق الأخرى في العالم. ومع ذلك، سوف تحتاج هذه الدول إلى مواصلة تقييم مصادر الإيرادات، وإعادة النظر في أولويات الإنفاق".ويبيّن التقرير ما يلي: • من المتوقع أن ينمو إجمالي الناتج المحلي في المملكة العربية السعودية ليصل إلى 2.3% في عام 2016، وذلك بفضل جهود التنويع الاقتصادي. وتتخذ المملكة عدة خطوات ملموسة لمواءمة اقتصادها استعداداً للتكيّف مع فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط، بما في ذلك السعي بزخم وراء الفرص لاجتذاب مستويات أعلى من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. • سيساهم التركيز الجاد لسياسات التنويع بدولة الإمارات العربية المتحدة في تحقيق نمو قوي لإجمالي الناتج المحلي بنسبة 3.9% في عام 2016. ومن شأن الاستثمارات المتواصلة في المشاريع الكبرى للبنية التحتية أن تدعم النمو في مواجهة الموجة المستمرة لانخفاض أسعار النفط. ومن المرتقب ضخ المزيد من الاستثمارات في القطاعات غير النفطية، لا سيما وأن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، قد أعلن مؤخراً عن هدف وطني يتمثّل في أن تساهم القطاعات غير النفطية بما نسبته 80% في إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2021. • تنخفض التوقعات بشأن نمو إجمالي الناتج المحلي لعام 2016 في البحرين إلى 2.8%. ويُعزى هذا التغير في التوقعات جزئياً إلى الآفاق المتدهورة للقطاعات غير النفطية في البلاد، مثل المصارف. وقالت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" إن الرياح العكسية للاقتصاد الكلي سوف تؤثر على ربحية المصارف التي تدير أعمالها في البلاد؛ وقد غيّرت من نظرتها للقطاع من مستقر إلى سلبي، وتتوقع أن يتباطأ من 4.0% العام الماضي إلى 2.6% في 2015. وتمتلك البلاد احتياطات منخفضة للنفط نسبياً، مقارنة العديد من دول الجوار، مما قد يهدد جزءاً من النفقات المخطط لها على مشاريع البنية التحتية. • من المتوقع أن ينمو اقتصاد قطر في 2016 بنسبة 6.8%، مدعوماً بالاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، بما في ذلك تحسين شبكة السكك الحديدية ومشروع بناء خزانات المياه. وليس لدى قطر أي خطط للتراجع عن أي من برامجها الرئيسية، حيث يرتبط العديد من المشاريع الإنشائية المخطط لها بتنظيم بطولة كأس العالم "فيفا 2022". • على الرغم من أن صندوقها المرموق للثروة السيادية، والاستثمار في المجالات الاجتماعية مثل تنمية الشباب سوف يدعم النمو في الكويت بنسبة 1.9% في عام 2016، ستحتاج البلاد على المديين المتوسط والبعيد إلى إيجاد الوسائل لمعالجة العجز المالي المتوقع. وبالنظر إلى أن أسعار النفط ستبقى على حالها، قد يكون تنفيذ إجراءات مثل فرض ضريبة الدخل المضافة (VAT) أمراً ضرورياً. • من المتوقع أن الاقتصاد في سلطنة عُمان بنسبة 3.2% في عام 2016. وبفضل العلاقات التاريخية القوية مع إيران، لا بد أن تشهد السلطنة طفرة من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحصول الشركات المحلية على فرصة للنفاذ إلى سوق جديدة. كما أن مشاريع البنى التحتية، مثل مجمع لوى للصناعات البلاستيكية وتوسعة السكك الحديدية الوطنية - والتي تكتسب أهمية بالغة ضمن سياسات التنويع - سوف تشكّل مصدراً للنمو.