بسمة عبدالله
عندما كنا أطفالا صغاراً كان مفهوم العيد لدينا يتمحور في الملابس الجديدة التي نتباهى بها بين الأهل والأصدقاء، و»العيدية» التي ننتظرها بشوق ولهفة من أولئك الأشخاص الذين يقدمونها لنا بانتظام في كل عيد، فنطيرُ بها فرحاً كما لو كانت قطعاً من الذهب بين أيدينا مع أنها مجرد دراهم معدودة، وما كان يلفت انتباهنا ويأسر قلوبنا أن البعض يتفنن في تقديمه للعيدية فيقدمها لنا مغلفة بأجمل الأغلفة ومكتوب عليها عبارات لطيفة، تمس المشاعر والقلوب الصغيرة، ويحرص على أدق التفاصيل حتى تبدو هدية جميلة أنيقة يقدمها للأطفال في يوم عيدهم.
ما أروع أولئك الأشخاص (الإيتيكيت) الذين يتميزون بتعاملهم الراقي وكلامهم المعسول وابتسامتهم المشرقة التي لا تفارق وجوههم، لو يعلم أولئك الأشخاص كم كانت فرحتنا بهذه العيدية لفرحوا بها قبلنا، لقد حفروا ذكرى جميلة ومكانة كبيرة في قلوبنا وعقولنا قبل جيوبنا؛ لأنهم بهذا التصرف الراقي يُشعِرون الأطفال بأنهم جزء مهم في الأسرة، ولهم حقهم كالكبار في المعايدة والاحترام والتقدير في يوم العيد.
وهم بهذا السلوك الراقي وفنّ التعامل مع الصغار على مدار السنين لم يقدموا نقودا أو هدايا، وإنما قدموا دروساً تربوية وأخلاقية في العطاء والسخاء، أهمها أن المال سوف يذهب وأن ما وراء ذلك العطاء المادي والمعنوي من قيم نبيلة ومشاعر رقيقة سوف يبقى أثره في القلوب.
العيد شعيرة من الشعائر الإسلامية التي تجسد معنى الإنسانية الحقة؛ فهو فرصة لتعزيز الجانب النفسي لدى الضعفاء، والفقراء، والمحتاجين والمرضى في المجتمع بتفقد احتياجاتهم ومد يد العون والمساعدة لهم لإدخال الفرح والسرور على قلوبهم في هذه الأيام المباركة، دون انتظار أي مقابل أو مردود مادي أو معنوي من وراء ذلك، فقط ليعيشوا معنا فرحة العيد دون أن يشعروا بضعفهم وقلة حيلتهم، ويشعروا بانتمائهم إلى مجتمعهم فتزيد روابط الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع.
وهكذا هي سنة الحياة، يمضي عيد ويأتي بعده عيد، ولا شيء يبقى على حاله، ولكن يبقى الأثر الطيب والذكريات الجميلة محفورة في ذاكرتنا، لا يجرؤ الزمان على أن يمحوها من مخيلتنا، وكما يقول الأديب نجيب محفوظ ( لا شيء يُنسى - ولا شيء يبقى).