كانت نصيحة أحد الآباء لابنه منذ زمن بعيد قليلاً، على ألا يلتحق بأحد التخصصات الإنسانية أو الأدبية أو الفكرية في الجامعة. فمن وجهة نظره الشخصية المبنية على دراسة ومناظرة الأمور العملية الحياتية أنها «ما بتوكل خبز أي عيش».

وما كان يعتقده البعض عن وجهة نظر الوالد بأنها محدودة فقد أصبحت واقعاً لا مفرّ منه. وإن كان هذا الواقع مؤلماً إلى حد ما، باعتبار أن التكنولوجيا الحديثة هي مستقبل البلاد والعباد. وأن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي أمر محتوم.. والأهم من هذا كله، فإن معايير سوق العمل المحلي والدولي قد تغيرت، وهذا أمر منطقي. وما كنا بحاجة له بالأمس أصبح اليوم في خبر كان وفي قصص قديم الزمان.

ولكن مع كل هذا التغيير لازلت أنظر إلى التخصصات الإنسانية والتي تقوم بدراسة علم الاجتماع، وعلم اللغات وعلم القانون والإعلام والفلسفة وغيرها أنها لاتزال جزءاً منا نحن كأفراد، فمهما كانت الآلة الذكية «الحل» ولكنها لن تحل مكان الإحساس والشعور الذي يمتلكه الكائن البشري.. الآلة يمكنها أن تكون وسيلة مريحة للكتابة ولكن لن تأخذ مكان الفكر والإدراك الإنساني.. ولا يمكنني لسبب وجود الآلة الذكية أن أختزل من عالمنا قيمة الكاتب والمؤلف والأديب والمحلل والناقد والشاعر والإعلامي.. ولا يمكننا أن نستسلم إلى عالم رمادي رائحته برائحة الوصلات الإلكترونية الخالية من المشاعر.

ومع هذا لا يمكننا أن نغير الواقع القائم على التغيير وعلينا أن ننسجم مع كل تكنولوجي وحديث وذلك لضمان «لقمة العيش والعيش الهنيء».

وفي المقابل علّنا ألا نجحف بحق التخصصات الإنسانية والأدبية بالكامل لأنه يبقى الإنسان هو سيد الآلة وليس العكس.

فالآلة يمكنها أن تجرح وهذا صحيح ولكن الإنسان وحده من يحس بالألم.