سماهر سيف اليزل
أبي وأمي قدوتي في الحياة..
تربيت على اتباع التعاليم الدينية واحترام العادات والتقاليد
والدتي كانت تقوم بدور الأب والأم في أغلب الأوقات
تخرجت من الجامعة بتخصص أدب إنجليزي وتربية
«حوار الدولية» أول مدرسة للدمج في المنطقة
قدمت باقة ورد للملك حسين.. ورأيت الشيخ عيسى لأول مرة
«صعوبة إيصال المعلومات لبعض الطلبة حينما كانت معلمة، كانت وراء دراستي للتربية الخاصة وافتتاح أول مدرسة خاصة «للدمج»».. هكذا بدأت الدكتورة فاطمة الكوهجي بسرد سيرتها ومسيرتها لـ«الوطن»، مؤكدة أنها تربت على اتباع التعاليم الدينية واحترام العادات والتقاليد.
ووسط 12 أخا وأختاً نشأت فاطمة وترعرعت، وبين جدران «البيت العود» ووسط عائلة الكوهجي كبرت، فقد عاشت مراحل طفولتها في المحرق بحالة بوماهر تحديداً، مؤكدة أنها ترى صورة البيت العود المنقوشة على جدرانه عبارة «بيت العمدة» إلى هذه اللحظة.
وأكدت الكوهجي، أن ما واجهها من صعوبة في إيصال المعلومات لبعض الطلبة خلال التدريس كان وراء دراستها للتربية الخاصة وإصرارها على طلب لفتح تخصص معني بالأطفال العاديين لتكون أولى الملتحقين به، مشيرة إلى أنها من المهتمين بكل قضايا المرأة والطفل. وتضيف، أنها بعد سنوات من العمل في مجال التربية الخاصة للطلبة العاديين، وتحديداً في عام 2011 تقدمت إلى جامعة طنطا بجمهورية مصر العربية لتكملة مسيرتها العلمية في التخصص نفسه، وبالفعل نالت درجة الدكتوراه في الصحة النفسية في عام 2016.
وفيما يأتي اللقاء:
من هي فاطمة الكوهجي وأين كانت الولادة والنشأة؟
- أنا فرد من بين 12 أخاً، نحن 5 بنات و7 أولاد، ولدت في البيت العود، ونسميه بالبيت العود نسبة لتاريخه العريق والممتد إلى حوالي عام 1880، حيث ولد أبي وأعمامي وعماتي في هذا البيت، وما يميز البيت أيضاً أن جميع أحفاد جدي محمود الكوهجي قد ولدوا فيه، وبالرغم من هدم البيت إلا أننا مازلنا محتفظين بالباب الرئيسي الذي جلب من الهند.
نشأت في المحرق بحالة بوماهر، وكانت نشأتي وسط أهلي أفراد عائلة الكوهجي، وكانت عائلة الجلاهمة الأقرب لنا من ناحية الجيرة والصداقة والنشأة وهذه العلاقة مستمرة حتى يومنا هذا.
حديثنا عن طفولتك.
- طفولتي كانت في المحرق، حيث «الفريج كله» أبناء أعمام وعمات وخالات، وعندما أسترجع ذكرياتي أرى صورة البيت العود الذي نقشت على جداره جملة « بيت العمدة» ، لم أكن أعرف القصد وقتها لكني عرفت لاحقاً أن أبي رحمه الله عليه كان عضواً معيناً من الحكومة في المجلس البلدي في عام 1950، لذا أطلق عليه «العمدة».
تربينا وسط أسرة تُنشئ أطفالها على اتباع التعاليم الدينية واحترام العادات والتقاليد، ولكون أبي تاجراً وكثير السفر كانت أمي تقوم بدور الأب والأم في أغلب الأوقات. توفي أبي عام 1974 تاركاً وراءه 12 طفلاً أكبرهم عبدالحميد 24 عاماً وأصغرهم عيسى 5 أعوام، ورغم صغر عمر أمي «42 عاماً» إلا أنها لم تستسلم لأنها حصلت على الخبرة في القيادة المنزلية أثناء غياب أبي في سفراته، استلمت دفة السفينة بكل حكمة وصرامة وربتنا جميعاً خير تربية. قدوتي في الحياة هما أبي وأمي رحمة الله عليهما كانا ومازالا.
وماذا عن المراحل الدراسية؟
- قبل دخول المدرسة -وبحسب ما كان عليه الوضع في تلك الفترة في بداية الستينات- التحقت بـ «المطوع» لذا كنت أقرأ في الصف الأول الابتدائي بدون أي صعوبة.
لقد كان التعليم من الأولويات المهمة لأبي كونه شخصاً متعلماً، درس في مدرسة الهداية، ومن ثم أكمل تعليمه في الهند ليتخصص هندسة كهربائية. أما أمي فقد التحقت بروضة عائشة أم المؤمنين فقط ومن ثم درست العلوم الدينية في المنزل لذا كانت تقرأ وتكتب.
التحقت بمدرسة الحالة الابتدائية حتى الصف الرابع الابتدائي. ثم شاءت الظروف لننتقل إلى المنامة ونعيش في فريج العوضية لمدة عامين.
والتحقت بمدرسة عائشة أم المؤمنين لدراسة الصفين الخامس والسادس حيث تعرفت على صديقة الطفولة وفاء وفي نفس الفترة الزمنية بدأ والدي ببناء بيتنا في القضيبية الذي انتقلنا إليه عام 1967، لذا انتقلت إلى مدرسة القضيبية في المرحلة الإعدادية ولكن لمدة عام واحد بعدها انتقلت إلى مدرسة الحورة مع أخواتي لتكملة المراحل التعليمية.
تراودني ذكريات جميلة عن المرحلة الدراسية وتتأرجح ما بين المقاعد الدراسية والفصول والساحات والملاعب والرحلات والأنشطة الطلابية، تبقى بعضها قوية في أذهاننا وأخرى تمر كالطيف تأتي وتختفي، ولكن تبقى المهمة عالقة دوماً في العقل الباطن.
وبالنسبة لي أتذكر حدثاً هاماً تحديداً في عام 1968، حيث كان الملك حسين بن عبدالله ملك مملكة الأردن بصدد زيارة رسمية لسمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان طيب الله ثراه، ولهذه المناسبة تم اختياري لتقديم باقة الورد للملك حسين عند وصوله إلى مطار البحرين، وأنا أعتز جداً بهذه الفرصة التي سمحت لي رؤية الشيخ عيسى لأول مرة.
أما المرحلة الجامعية فقد التحقت بجامعة البحرين كلية الآداب تخصص رئيسي أدب إنجليزي وفرعي اللغة الفرنسية. إلا أنه بعد عامين تم إيقاف برنامج اللغة الفرنسية وطلب منا اختيار برنامج آخر.
فكان الخيار الأمثل بالنسبة لي هو تخصص التربية، وتخرجت من الجامعة بتخصص مزدوج أدب إنجليزي وتربية. ولم أكن أعلم أن قرار الجامعة المفاجئ هذا سيكون السبب في رسم مشواري العلمي والعملي.
خضت الحياة العملية ومارست مهنة التدريس وواجهتني صعوبات عملية عديدة، أهمها كيفية توصيل المعلومة لبعض الطلاب رغم أنهم عاديون. ولرغبتي في معرفة السبب، تقدمت بطلب للالتحاق ببرنامج الماجستير في التربية الخاصة بجامعة الخليج العربي. وأتذكر السؤال الوحيد الذي وجه إلي أثناء الحلقة النقاشية لماذا تريدين التسجيل في برنامج التربية الخاصة؟ فكان جوابي بإيجاز أنه خلال عملي في التدريس اكتشفت وجود أطفال طبيعيين جداً إلا أنهم غير قادرين على التعلم أريد معرفة السبب، فتم قبولي في البرنامج.
التحقت بالبرنامج وحسب النظام، فإن السنة الأولى يكون التسجيل للدبلوم العالي في التربية الخاصة للمعوقين. وأثناء الدراسة كنا نقوم بزيارات ميدانية للمراكز الخاصة بالإعاقة العقلية والجسدية بالإضافة إلى تدريس طلبة معهد الأمل، حينها أدركت أنني لا أصلح أن أكون معهم وأقوم بتدريسهم لأنني عاطفية جداً.
وكانت الصدمة قوية جداً حينما اكتشفت أنه لا يوجد في الجامعة برنامج التربية الخاصة للعاديين ولكنني لم أفقد الأمل. وأمام إصراري وطلبي المتكرر وافقت إدارة الجامعة على طرح برنامج الماجستير في التربية الخاصة للعاديين لأكون أول طالبة في هذا التخصص. حصلت على شهادة الماجستير في التربية الخاصة للعاديين من جامعة الخليج العربي عام 1993.
وبعد سنوات من العمل في نفس المجال وتحديداً في عام 2011 تقدمت إلى جامعة طنطا بجمهورية مصر العربية لتكملة مسيرتي العلمية في التخصص نفسه، وبالفعل نلت درجة الدكتوراه في الصحة النفسية في عام 2016.
ما الذي جعلك تتجهين إلى تعليم هذه الفئة بالذات؟
- كان قلبي يؤلمني عندما أرى طلبة مفعمين بالحياة ولكن غير قادرين على التعلم أو الاعتماد على النفس، وكنت أقول إن هناك سبباً ويجب أن أعرفه. ثم اكتشفت أنهم ينظرون للحياة من منظور وزاوية مختلفة عنا، فعرفت أنه يجب على المعلم أن يحدد هذه الزاوية حتى يستطيع الوصول إلى الطالب ليصبح تعليمه أمراً سهلاً.
في تلك الفترة إلى جانب التواصل مع أولياء طلبة التربية الخاصة، كنت أتواصل مع وزارة التربية والتعليم بشكل متواصل موضحة مشكلة كل طالب، الخطة التعليمية والبرنامج العلاجي، التقييم القبلي والبعدي. ففي بداية التطبيق كان هناك تحفظ من قبل الوزارة على البرنامج ولكن نتاجه وأثره في تقدم الطلبة أصبح مصدراً لثقة الوزارة بالخطة التي أتّبعها.
كيف أتت فكرة إنشاء مدرسة حوار الدولية؟
- في بداية مشواري المهني عملت معلمة للغة الإنجليزية في مدرسة مدينة عيسى الإعدادية الثانوية لمدة عامين دراسيين فقط.
ثم انضممت إلى مدرسة النسيم الدولية لأتقلد عدة مهام أهمها نائب مدير المرحلة الابتدائية، منسق المرحلة التمهيدية، معلم مادة تاريخ العالم الإسلامي باللغة الإنجليزية «HIW» للمرحلة الثانوية ومنسقة الأنشطة الطلابية للمرحلة الثانوية «CAS»، بالإضافة إلى إعداد برامج للتلاميذ الذين يعانون من مشاكل تعليمية.
وفي أكتوبر 2000، اتصلت بي وداد الفاضل مديرة التعليم الخاص في الوزارة موضحة طلب وزير التربية الدكتور محمد الغتم آنذاك أن أفتح مدرسة خاصة لطلبة التربية الخاصة فكان ردي سأفتح مدرسة خاصة «للدمج» فطلبت مني مذكرة توضيحية بذلك لترفعها إلى الوزير الذي أولى الموضوع أهمية خاصة فتمت الموافقة على المذكرة التوضيحية.
حينها بدأت بوضع الخطة الاستراتيجية للمدرسة والمناهج وكل ما يتطلب من أوراق على أن يكون معيار القبول بنسب ثابتة، 20% طلبة التربية الخاصة و80% للطلبة العاديين.
جاءت الموافقة على إنشاء المدرسة وصدر الترخيص في مايو عام 2001 تحت اسم «مدرسة حوار الدولية» لتكون أول مدرسة دمج في المنطقة.
وفتحت المدرسة أبوابها للطلبة في سبتمبر 2001 تحت رئاستي ليعمل معي طاقم إداري وتعليمي من البحرين وخارجها، بعضهم مازالوا يعملون في المدرسة حتى يومنا هذا.
وأثبت النظام المتبع في المدرسة، أن التعليم لكل طفل مهما كانت قدراته، وكانت الوزارة داعمة لنا ومتابعة لعمل المدرسة على نحو مستمر.
واليوم أفتخر بأن تكون للبحرين الأسبقية بإنشاء أول مدرسة دمج تقدم الخدمة لطلبة التربية الخاصة في مملكة البحرين والدول المجاورة.
متى كان انضمامك إلى مجلس الشورى؟
- في 2014 حصلت على الثقة الملكية السامية التي أفتخر بها وتم تعييني في مجلس الشورى.
في بداية الأمر أحسست أنني طالبة في المجال التشريعي وعكفت على القراءة والاطلاع. ولكن مع مرور الوقت والتعامل مع الزملاء خاصة في اللجان أيقنت أنه موقع قرار والقرارات التي نصادق عليها تؤثر في المجتمع ككل.
وبحكم عملي الإداري لسنوات طويلة أصبح من السهل أخذ القرار التشريعي بعد التشاور مع الزملاء لصالح البلد والمواطن.
هل ترين أنك أديتِ رسالتكِ الكاملة في التعليم؟
- لا، لأن التعليم بحر عميق لا نستطيع الجزم بأننا أوفيناه حقه وأكملنا رسالتنا في مجاله. لو سألت اليوم هل ترجعين إلى التعليم؟
أقول نعم، أرجع للتعليم وخصوصاً للمراحل الصغيرة، لأن التعليم بالنسبة لي ليس فقط أن يقرأ الطفل ويكتب، بل هو تكوين شخصية التلميذ الصغير.
إذا أتيحت لك الفرصة ما الذي ستغيرينه في مجال التعليم؟
- أرغب في تغيير منظور ولي الأمر والمجتمع تجاه التعليم.
في الوقت الحالي كل الوسائل التعليمية موجودة ومتاحة للجميع ومن السهل على ولي الأمر الحصول على المادة العلمية ولكن من الصعب عليه اختيار البيئة المدرسية الصحيحة لابنه.
لذا وجب علينا أن نعمل على توفير البيئة التعليمية لتكون صالحة ومحفزة للتعلم والمنافسة.
فالعمل على البيئة التعليمية سيؤدي إلى تغيير مستويات الطلبة وشخصياتهم وأدائهم وتطلعهم ووضع خطط استراتيجية لحياتهم.
وأعتقد أن مقومات هذه البيئة تشمل الموجودين كلهم في المدرسة والطلاب وأولياء أمورهم.
ولا تصح هذه البيئة إلا إذا كان كل من يعمل بها تم تدريبه من قبل تربويين لهم خبرة في التعليم محلياً وعالمياً.
ما هي اهتماماتك؟
- بطبيعة مجالي العلمي والعملي والمتعلق بالمرأة والطفل، أهتم وأتابع كل ما يستجد في قضايا المرأة والطفل، وأقرأ كل ما يُنشر على المستوى المحلي والعالمي.
وأقوم بالمقارنة والاطلاع على ما يحدث حولنا بخصوص الأسرة وقضاياها خليجياً وعربياً وعالمياً.
كما أهتم بتقديم الاستشارات التعليمية لكل من له أي علاقة بالتعليم كالمستثمرين، أولياء الأمور، إدارات المدارس والطلبة. لذا أنشأت مكتباً للاستشارات التعليمية «لنك اليو للاستشارات التعليمية».
أحد أبرز المشاريع التابعة للمكتب والذي نفتخر به هو مشروع «المدرسة الكندية»، حيث جاءت فكرة الاتجاه إلى التعليم في كندا من ابنتي سارة بحكم تخصصها رياض أطفال وكثرة اطلاعها.
وبعد التواصل مع السفارة الكندية في الرياض والتواصل مع وزارة التربية والتعليم في British Columbia بكندا، استطعت أن أنقل المشروع لمستثمر بحريني الذي رحب بالفكرة، حيث تعتبر أول مدرسة كندية في البحرين معتمدة من الحكومة الكندية، والثالثة عالمياً بنفس النظام المتبع.
لنتحدث عن الدكتورة فاطمة الأم والجدة؟
- بفضل من الله، أنا أم لسبعة أبناء وجدة لستة أحفاد، إنهم كل حياتي. ورغم صرامتي في تربية أبنائي إلا أنني سهلة جداً مع أحفادي، وأنا اليوم فخورة جداً بأبنائي وأعتز بهم وبمكانتهم العلمية والعملية، أرى أنهم يحملون من صفات شخصيتي الكثير ومتفائلة بمستقبلهم.
ما هي نصيحتك للعاملين في مجال التربية والتعليم؟
- نصيحتي لكل من يتعامل مع الطفل في أي مجال أنهم أمانة، فكونوا على حذر وخافوا الله فيهم وأحبوا لهم ما تحبونه لأبنائكم. لأن نشأة الطفل في أي مجتمع سواء أكانت إيجابية أو سلبية تؤثر على العالم كافة. فحذارِ مما تقدمونه لهم لأنه سيعود علينا وعلى المجتمع في المستقبل.