سكاي نيوز عربية
تواجه البنوك المركزية الرئيسية معضلة ترتبط بتحديد "الوقت المناسب" للتوقف عن رفع أسعار الفائدة والتخلي عن السياسات النقدية المتشددة في هذا السياق، والتي اتبعتها من أجل كبح جماح معدلات التضخم.
وبينما تتطلع البنوك المركزية لإنهاء تلك السياسة (الرفع الحاد لأسعار الفائدة) مدعومة بما أظهرته ضغوط الأسعار أخيراً من علامات على التراجع وتباطؤ وتيرة التضخم، إلا أن "القرارات القادمة المنتظرة سوف تكون على حافة السكين" وفق وصف تقرير نشرته رويترز، في إِشارة إلى ما تتطلبه تلك القرارات من حذر.
يأتي ذلك على اعتبار أن التوقف في وقت مبكر جداً قد يتسبب في تخفيف الظروف المالية بسرعة كبيرة، الأمر الذي يؤدي إلى إعادة إشعال الضغوط التضخمية، بينما قد يؤدي التوقف المتأخر إلى حدوث أزمة ائتمانية وحالة ركود".
وبينما لا تزال معدلات التضخم مرتفعة في جميع أنحاء العالم، إلا أن بعض الاقتصادات الكبرى تشهد تباطؤاً بوتيرة أسرع بما يفوق التوقعات، ما خفف الضغوط عن البنوك المركزية بتلك الاقتصادات.
ورغم هذه المعطيات الإيجابية، رفعت الاقتصادات المتقدمة معدلات الفائدة في اجتماعاتها الأخيرة أو أبقت عليها كما هي، على النحو التالي:
الولايات المتحدة: رفع الفيدرالي أسعار الفائدة 25 نقطة أساس، إلى نطاق 5.25 بالمئة و 5.50 بالمئة (الزيادة الـ 11 في آخر 12 اجتماعاً). بينما ترك رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول الباب مفتوحاً لمزيد من الارتفاعات.
منطقة اليورو: رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة 25 نقطة أساس إلى 3.75 بالمئة (أعلى مستوى منذ مطلع الألفية).
نيوزيلندا: أبقى البنك الاحتياطي النيوزيلندي أسعار الفائدة كما هي، بعد أن رفعها في مايو إلى أعلى مستوى لها في 14 عاماً عند 5.5 بالمئة. وتشير التقديرات إلى أن ذلك القرار "ربما يشكل نهاية دورة التشديد النقدي المستمرة منذ 20 شهراً".
كندا: رفع بنك كندا أسعار الفائدة إلى أعلى مستوى في 22 عاماً عند 5 بالمئة. وبحسب ما أظهره محضر اجتماع البنك فإن صانعي السياسة ناقشوا تأخير هذه الخطوة، لكنهم قرروا أنهم لا يستطيعون المخاطرة بانتعاش التضخم، وفيما لا يتوقع البنك تراجع التضخم إلى هدف 2 بالمئة حتى منتصف العام 2025.
أستراليا: حافظ البنك المركزي على سعر الفائدة الرئيسي عند أعلى مستوى في 11 عاماً عند 4.1 بالمئة، وذلك بعد أن خفف تباطؤ التضخم في الربع الثاني من الضغط لمزيد من الزيادات.
النرويج: رفع البنك المركزي النرويجي، في يونيو، أسعار الفائدة أكثر من المتوقع بمقدار 50 نقطة أساس إلى أعلى مستوى في 15 عاماً عند 3.75 بالمئة، وتشير التقديرات إلى رفعه مرة أخرى في أغسطس، لا سيما وأن التضخم الأساسي في النرويج سجل رقماً قياسياً بلغ 7 بالمئة في يونيو، ما يعني أن دورة التضييق لم تنته بعد.
السويد: بعد أن رفع المركزي السويدي الفائدة إلى 3.75 بالمئة في اجتماعه السابق في يونيو، من المتوقع أن يواصل تلك الوتيرة في اجتماع سبتمبر، في ضوء معدلات التضخم التي لا تزال أعلى بكثير عن هدف الـ 2 بالمئة، مسجلة 6.4 بالمئة في يونيو.
سويسرا: ترى الأسواق أن هناك فرصة بنسبة 50 بالمئة في قيام البنك الوطني السويسري برفع أسعار الفائدة مرة أخرى في سبتمبر بعد أن هدأ التضخم إلى 1.7 بالمئة في يونيو. ورفع البنك الوطني السويسري أسعار الفائدة إلى 1.75 بالمئة من -0.75 بالمئة في يونيو من العام الماضي.
اليابان: أبقى بنك اليابان معدل الفائدة المستهدف عند -0.1 بالمئة، لكنه هز الأسواق بجعل سياسته للتحكم في منحنى العائد أكثر مرونة.
بريطانيا: يجتمع بنك إنجلترا في 3 أغسطس، فيما تراجعت التوقعات برفع سعر الفائدة بشكل كبير بعد أن أظهرت أحدث البيانات أن التضخم قد انخفض أكثر من المتوقع في يونيو.
إلى أين يقود الفيدرالي الأميركي الأسواق؟
تشكل اتجاهات الفيدرالي الأميركي وسياساته عاملاً رئيسياً مُحدداً لاتجاهات عديد من البنوك المركزية الكبرى، في الوقت الذي تتأهب فيه الأسواق لانتهاء دورة تشديد السياسة النقدية بنهاية العام الجاري.
وفي هذا السياق، تحدث أكاديميون اقتصاديون في تصريحات لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" عن أبرز الاتجاهات القادمة للفيدرالي حتى نهاية العام الجاري، ويُمكن إيجاز تعليقاتهم فيما يلي:
أستاذ الاقتصاد بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، أريس بروتوباباداكيس:
- الزيادة التي أقرها الفيدرالي الأميركي أخيراً جاءت متوافقة إلى حد كبير مع غالبية التوقعات السابقة، ولذلك كان رد فعل السوق محدوداً للغاية.
-توقعات السوق منقسمة في الوقت الحالي بشأن ارتفاع آخر هذا العام، وما إن كان الفيدرالي سوف يوقف وتيرة رفع الفائدة أم يواصل الرفع مرة أخرى بـ 25 نقطة أساس جديدة.
"في تصوري الشخصي، فإنه سيكون هناك رفع آخر قبل نهاية العام الجاري للفائدة.. لا أعتقد بأن التضخم سوف يزول بهذه السرعة (وصولاً إلى المعدل المستهدف عند 2 بالمئة)".
أما الأستاذ الزائر بجامعة فلوريدا الأميركية، جاي ريتر، فيقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أيضاً:
- الزيادة المحتملة في تصور عدد من المحللين الاقتصاديين "تعتمد بالأساس على ما سوف يحدث بخصوص معدلات التضخم".
- "رفع الفائدة 25 نقطة أساس كان أمراً متوقعاً، حتى أن أسواق الأسهم والسندات لم تتحرك نتيجة القرار، وبالتالي أرى أن مزيداً من التغييرات هذا العام سوف تعتمد على ما معدلات التضخم؛ فإذا ظل التضخم متواضعاً (يتباطأ على النحو الحالي)، فمن غير المرجح حدوث زيادات جديدة في المستقبل".
وبدوره، يلفت أستاذ الاقتصاد بكلية ويليامز، كينيث كوتنر، في إفادته لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، إلى أن:
- الزيادة الأخيرة لم تخالف التوقعات، حتى بعد الإعلان عن معدل التضخم المعتدل لمؤشر أسعار المستهلك.
- أنا شخصياً اعتقدت أن هناك فرصة لأن يقوم بنك الاحتياطي الفيدرالي بتأجيل رفع سعر الفائدة، ولكن بالنظر إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد أبلغ بوضوح أنه سيكون هناك زيادة بمقدار 25 نقطة أساس ، فإن هذه الخطوة كانت متسقة مع ما كان يقوله.
- أعتقد أن باول كان واضحاً تماماً .. سيراقب بنك الاحتياطي الفيدرالي البيانات الواردة عن كثب، وليس هناك شك في أنه مستعد لرفع أسعار الفائدة أكثر إذا لزم الأمر. ولكن إذا كان إصدار التضخم في مؤشر أسعار المستهلكين الشهر المقبل معتدلاً مثل الإصدار الأخير ، فأعتقد بأنهما سيتوقفان مؤقتاً في الاجتماع القادم.
البيانات الاقتصادية تضغط على منطقة اليورو
أما فيما يخص "منطقة اليورو"، فإن البنك المركزي الأوروبي "يمر حاليا بأصعب الاختبارات التي تمر بها البنوك المركزية وذلك بسبب التضخم المرتفع من جهة و الأرقام الاقتصادية"، بحسب المستشار الاستراتيجي للأسواق في OneRoyal سام حيدر، في تصريحات له نهاية الأسبوع لـ "سكاي نيوز عربية".
بينما ذكرت المدير المؤسس لبرنامج الدراسات الأوروبية بجامعة فيكتوريا، آمي فيردون، في تعليق سابق لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" أنه "من غير الواضح اليوم ما إذا كان ذلك يعني أن المركزي في سبتمبر بحاجة إلى زيادة أسعار الفائدة أكثر أو التوقف مؤقتاً.. لا يزال سبتمبر بعيداً (..) إذا كان هناك خطر من استمرار التضخم لفترة أطول، وإذا لم يكن من المتوقع حدوث التضخم بما يكفي، سيظل البنك المركزي الأوروبي بحاجة إلى رفع أسعار الفائدة أكثر"، وفي سياق البيانات السلبية التي تسجلها القارة، بما في ذلك تقلص النشاط الاقتصادي (بأسرع معدل في ثمانية أشهر في يوليو).
- البنك المركزي الأوروبي، قال في بيانه إن التضخم يستمر في الانخفاض، ولكن لا زالت التوقعات تشير إلى أنه سيظل مرتفعاً للغاية لفترة طويلة جداً.
- أكد المجلس الحاكم للبنك عزمه على "ضمان عودة التضخم إلى هدفه المتوسط الأجل البالغ 2 بالمئة في الوقت المناسب"، وأنه لن يخفض بأي حال من الأحوال معدلاته في الاجتماعات المقبلة.
- رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، قالت في مؤتمر صحافي في فرانكفورت "سنكون في غاية الانفتاح في ما يتعلق بالقرارات التي ستتخذ في سبتمبر وفي الاجتماعات التالية" والتي ستعتمد على البيانات الاقتصادية المتاحة.
- أوضحت لاغارد "ننتقل إلى مرحلة نعتمد فيها على البيانات الاقتصادية" التي سيتقرر في ضوئها "ما إذا كنا نرفع (المعدلات) أو إذا سنتوقف عن ذلك".
بنك إنجلترا
على الجانب الآخر، ورغم جملة الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد البريطاني، فقد أعطت بيانات التضخم الأخيرة ارتياحاً لصانعي السياسة النقدية بالبلاد، بعد أن تراجع (بما يفوق التوقعات) إلى 9.7 بالمئة في يونيو، وهو أدنى مستوى منذ 14 شهراً، الأمر الذي من شأنه تخفيف الضغط على بنك إنجلترا لمواصلة رفع معدلات الفائدة بشكل حاد.
المحلل الاقتصادي في صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أنور القاسم، يقول لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" تعليقاً على تلك المعدلات: "هذه أخبار طيبة لرئيس الوزراء البريطاني الذي وعد بأن يخفض التضخم إلى الحد الأدنى عند 2 بالمئة، وهذا شبه مستحيل إن لم يكن مستحيلاً؛ فمن الواضح أن سياسة رئيس الوزراء تعاني نتيجة عديد من العوامل التي تعاني منها بريطانيا كباقي دول العالم، لكن بريطانيا تعاني بشكل أكبر إذا علمنا أن البريكست كان له أثر تدميري على الاقتصاد".
ويشير بشكل خاص إلى "الارتفاع الكبير في الأسعار الذي ضرب بريطانيا"، موضحاً أن كل العالم قد تضرر من الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة وسلاسل الغذاء، لكن بريطانيا بالتحديد كانت الأكثر تضرراً مع ارتفاع أسعار الغذاء إلى ثلاثة أضعاف أسعارها قبل عامين، وفيما انخفضت نسبياً أسعار الطاقة إلا أن الدولة دفعت مئات المليارات لتخفيف وطأة الغلاء على المواطنين.
وبالتالي فإن "بيانات التضخم الأخيرة وإن كانت أخباراً جيدة، إلا أنها لن تحل مشكلة الاقتصاد، لا سيما أيضاً وإذا أخذنا في الاعتبار الزيادة التي وعد بها رئيس الوزراء الموظفين من 6 إلى 7 بالمئة وهي زيادة غير كافية، قد تسد رمق بعض الموظفين لكنها لن تحل مشكلة الاقتصاد والموظفين، في وقت تشهد فيه البلاد أكبر أزمة إضرابات (..) المشكلة الأساسية لن تحل إذا أخذنا في الاعتبار أن معظم الوظائف خسرت بحدود ما بين 25 إلى 35 بالمئة من قيمة الأجور وهذا يعني أن زيادة الرواتب 6 أو حتى 15 بالمئة سيكون أقل بكثير".
وتبعاً لذلك يتوقع القاسم مواصلة أسعار الفائدة الاتفاع لكن بوتيرة أقل مما كانت عليه، قد ترتفع ربع نقطة أو نصف نقطة كحد أقصى وستواصل الارتفاع حتى نهاية العام "وسنرى مع مواصلة انخفاض التضخم في بداية العام المقبل إذا صارت الأمور على ما هي عليه، ولكن لن يصل إلى الحلم الذي يطمح إليه رئيس الحكومة"، مشيراً إلى أن أسعار الفائدة ارتفعت 13 مرة بينما الأسعار لا تزال في ارتفاع، وبالتالي شكلت قرارات رفع الفائدة جرعة مخففة من دعم الاقتصاد لكنها غير كافية، في ضوء عوامل أخرى تؤثر على الوضع الاقتصادي والتضخم بالتحديد.
بنك اليابان.. إشارات لإمكانية رفع الفائدة
أما فيما يخص بنك اليابان، فقد خفف قبضته بشكل مفاجئ على عوائد السندات بعد سماحه للعائد بالتحرك فوق مستويات النصف نقطة مئوية، في أول إشارة منه بأن احتمالية رفع الفائدة أصبحت ممكنة في الاجتماعات القادمة في ظل الارتفاعات الحالية للتضخم والتي لامست أعلى مستوياتها في عقود.
وفي الاجتماع الذي استمر يومين وانتهى الجمعة، ثبت بنك اليابان المركزي معدل الفائدة قصير المدى عند -0.1 بالمئة، بما يتفق مع التوقعات، وعائد السندات الحكومية لمدة 10 سنوات عند 0 بالمئة.
كما حافظ على التوجيه الذي يسمح لعائد 10 سنوات بالتحرك بنسبة 0.5 بالمئة صعودًا وهبوطًا حول هدف 0 بالمئة، وشدد على أن هذا المستوى سيكون "مرجع" وليس "حدًا صارما".
وفي هذا السياق، كان كبير استراتيجي الأسواق لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في BDSwiss مازن سلهب، قد ذكر لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن "بنك اليابان لن يقدم على رفع الفائدة إلا في حالة ارتفاع التضخم.. ارتفاع معدلات التضخم سيكون نقطة تحول في سياسة بنك اليابان". وأوضح أن "الارتفاع الحالي في أسعار الطاقة يجعل من تراجع التضخم في اليابان تحدياً كبيراً، وكذلك فيما يخص الغذاء، لا سيما وأن التضخم في اليابان يعتمد بشكل أساسي على ارتفاع أسعار الطاقة، خاصة أن طوكيو ثاني أكبر مستورد بعد الصين.