التقارير الأخيرة لمنظمات الأمم المتحدة تتوقع المزيد من ارتفاع الحرارة ليكون عامي 2023 و 2024 من بين أكثر الأعوام سخونة في تاريخ العالم
انطلقت هذه التصريحات يوم الخميس الماضي عن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تعليقاً على تسجيل ارتفاع قياسي في درجات الحرارة العالمية في شهر يوليو الماضي، إذ أن العالم "لم يكن بهذا الدفء منذ 120 ألف عام".
وأشارت العديد من تقارير الأمم المتحدة الأخيرة إلى تسجيل أرقام قياسية من موجات الحر الشديدة، وتوقعت أن تزداد درجات الحرارة من حيث المدة والشدة والتكرار، كما رجحت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، بنسبة 98% ، أن إحدى السنوات الخمس المقبلة ستكون واحدة من أكثر الأعوام دفئا على الإطلاق، كما حذرت من احتمالية تجاوز درجات الحرارة 1.5 درجة مئوية "بشكل مؤقت" عن معدل ما قبل عصر الصناعة خلال هذه السنوات.
وبالتوازي مع موجات الحر الشديدة، رصدت المنظمة ارتفاعاً قياسيا في درجة حرارة مستوى سطح البحر، وبدء ظاهرة النينو ، والتي تعني ارتفاع درجات الحرارة في في الجزء الاستوائي من المحيط الهادي، وهي ظاهرة تؤثر بقوة على أنماط الطقس والمناخ في أنحاء كثيرة من العالم.
الدكتور عمر بدور، المسؤول عن مراقبة المناخ العالمي بالمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، قال في مقابلة مع "العين الإخبارية”، إن المنظمة رصدت ارتفاع درجة حرارة سطح البحر بأكثر من 5 درجات مئوية فوق المتوسط طويل المدى في شهر يونيو الماضي، وهذا يجعله الشهر الأكثر دفئاً منذ أكثر من 170 عاماً
وأشار إلى أن المنظمة تتوقّع أن تتطور ظاهرة النينو وتبلغ ذروتها في نهاية العام، مما يؤثر على المناخ العالمي، لذا من المتوقع أن يكون عامي 2023 و 2024 من بين أكثر الأعوام سخونة على الإطلاق في تاريخ العالم، ومن المحتمل أن يحطم عام 2024 الرقم القياسي لعام 2016 ، وهو العام الأكثر دفئًا في أرشيف المنظمة حتى الآن
وأضاف أن معظم سكّان الكوكب سيتأثرون بالظواهر الجوية والمناخية المتطرفة خلال الفترة المتبقية من العام، والربع الأول من عام 2024، وتشمل المناطق الأكثر تضررًا بشكل بارز، الأرض المحيطة بالمحيط الهادئ المداري حيث يظهر النينو ويتطور، بما في ذلك أستراليا وإندونيسيا وأمريكا الجنوبية والشمالية، كما سيتجاوز تأثير النينو هذه المناطق ويؤثر على سبيل المثال في شبه القارة الهندية، وإفريقيا جنوب الصحراء ، ولا سيما شرق إفريقيا مع احتمال هطول أمطار زائدة وفيضانات خلال موسم الأمطار القصير الذي يبدأ في أكتوبر وينتهي في ديسمبر
وتابع بدور أن خبراء الأرصاد بالوكالة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في الولايات المتحدة، وجدوا أن هناك احتمالية بنسبة تتراوح بين 70 و80 في المائة أن تستمر موجة ارتفاع حرارة سطح البحر في منطقة شمال المحيط الأطلسي حتى نهاية العام .
تأثيرات خطيرة على الكائنات البحرية والأمن الغذائي
وأضاف بدور أن هذه الارتفاع القياسي في درجة حرارة المحيط الأطلسي سيؤثر بشدة أيضًا على النظم البيئية البحرية والحياة البيولوجية، وهناك بعض الأنواع من الأسماك ستتضررّ مباشرة بشكل كبير، على سبيل المثال سمك السلمون لن يكون قادراً على تحمّل الحرارة الزائدة وبالتالي سيتعرّض إلى خطر الانقراض، كما أن هناك تهديدات غير مباشرة مثل زيادة ابيضاض الشعاب المرجانية التي تمثل بيئة حاضنة للعديد من أنواع الكائنات البحرية وتمثل عنصر مهم في التنوع البيولوجي، وإضافة إلى كل ذلك، ستتأثر مصايد الأسماك وبالتالي يتضرّر الأمن الغذائي للسكّان
وتابع أن المحيط الأطلسي الشمالي يلعب دورًا رئيسيًا في تشكيل أنماط الطقس على جانبي المحيط، وبالتالي حين ترتفع درجة حرارة المحيط، يصبح مصدر قوي يغذي رطوبة الهواء، ممّا يؤدي في النهاية إلى سحب كثيفة وأمطار غزيرة
وعلّق: "بالإضافة إلى ذلك، قد تعاني المناطق البرية المحيطة بالمحيط من طبيعة متنوعة من الظواهر المتطرفة بما في ذلك موجات الحرارة وحرائق الغابات من ناحية، ومن ناحية أخرى، مخاطر عالية من العواصف الرعدية الشديدة والفيضانات، مع زيادة احتمالية حدوث الأعاصير المدارية على الجانب الغربي من المحيط".
الاحتباس الحراري يهدّد حياة الناس وصحتهم
وفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يمثل الارتفاع الشديد في درجات الحرارة خطورة شديدة على صحة الإنسان ويؤدي إلى زيادة حالات النوبات القلبية والوفاة، كما رصدت وفاة 60 ألف شخص إضافي بسبب الحرارة الشديدة في أوروبا الصيف الماضي، ونفس الخطر يهدد آسيا وشمال أفريقيا والولايات المتحدة.
ومن جانبها، قالت الدكتورة جيني ميلر، المدير العالمي لتحالف الصحة وتغير المناخ، في تصريحات لـ”العين الإخبارية”: "لا يوجد وقت نضيعه، الاحتباس الحراري غير المسبوق يهدد حياة الناس وسبل عيشهم في جميع أنحاء العالم، والطريقة العقلانية الوحيدة للاستجابة لأزمة المناخ هذه هي معالجة السبب الجذري، وبدء التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وتحقيق انتقال عادل إلى الطاقة المتجددة للجميع، ومفاوضات كوب 28 تمثل فرصة لذلك"
وأضافت: " عاني الناس في جميع أنحاء العالم من موجات حر غير مسبوقة وحرائق غابات خارجة عن السيطرة، تسعة وتسعون في المائة من سكان العالم يتنفسون هواءً ملوثًا، وزادت العواصف والفيضانات.. تغير المناخ يؤثر على كل يبلد "
وبالتوازي مع الارتفاع الشديد في درجات الحرارة وبدء ظاهرة "النينو"، كان هناك مستويات قياسية أخرى رصدتها الأمم المتحدة، إذ وجدت أن مستويات الجليد البحري في القطب الجنوبي وصلت إلى أدنى مستوى لها خلال شهر يونيو/ تموز الماضي، منذ بدء عمليات المراقبة عبر الأقمار الصناعية.