بعد إصداره أنطولوجيا عن شعراء لبنانيين شباب بعنوان "وطن للتهجئة"، أعلن الأكاديمي والشاعر والمترجم سرجون كرم عن قرب صدور كتاب جديد من إعداده، وهو كسابقه، أنطولوجيا، إنما هذه المرة، عن شعراء سوريين شباب، وبعنوان "بورتريه للموت".وقال سرجون كرم، وهو أستاذ مادة الترجمة واللغة العربية في معهد الدراسات الشرقية في جامعة "بون" في ألمانيا، كما ورد في تعريفه عبر حوار نشر في الصحافة السورية منذ أيام، إنه أنجز كتابه الأخير بالتعاون مع الدكتور والباحث الألماني والمتخصص في علم اللسانيات المقارنة سيبستيان هاينه، ليصدر الكتاب "أول العام القادم" وذلك لعرضه في "معرض فرانكفورت للكتاب" في الربع الأخير من 2016.وعلى ماورد في حوار كرم، فإن الكتاب سينشر قصائد "باللغتين العربية والألمانية" كما أنه "سيعمم على المكتبة الوطنية الألمانية" و"جميع المكتبات الكبيرة" إضافة الى "موقع أمازون".منطق الشلّة هيمن على اختيار الأسماءوعلى الرغم من الأهمية التي يحملها كتاب سيتحدث عن شعراء "سوريين كتبوا نصوصهم خلال الحرب الراهنة في سوريا" كما شرح كرم، فإن ثمة أسئلة تتعلق عن آلية اختيار الأسماء التي اعتبرها ناقلة لصورة الحرب. خصوصا أنه اختار تسعة أسماء شابة، ومن خلال اتصال هاتفي أجراه مع صحافي سوري، تبين أنه واحدٌ من الشعراء الذين سيكونون في الانطولوجيا! وبخاصة أن كرم قال في حواره إنه "تم الاتفاق على الأسماء التسعة" بعيد هذا الاتصال الهاتفي الذي لم يوضح ماهية المعايير التي أفضت الى الاختيار.ومايترك علامات استفهام كبيرة، لا إجابة فورية لها، هو أن خمسة أسماء، من أصل تسعة أسماء، كانت قد أصدرت في وقت سابق كتاباً شعريا يضم نصوصهم بعنوان "كريستال طائش" وهو لـ "أحمد ودعة، معاذ زمريق، جوزيف حداد، أحمد علاء الدين، أحمد سبيناتي" وهؤلاء الخمسة، يضاف اليهم الصحافي الذي اتصل به الناقد في دمشق ودخل في الانطولوجيا، فيصبحون ستة شعراء، تجمعهم علاقة أدبية ومايعرف بـ"ثلاثاء شعر" في دمشق، منذ فترة.فلايتبقى من الأسماء التسعة التي اختارها الناقد للترجمة، إلا ثلاثة أسماء، من خارج هذه المجموعة التي انفردت بالتعبير عن الشعر السوري في الحرب الراهنة، دون أن يكون هناك أي معيار نقدي واضح، أو منهجية تفصح عن "جوجلة" الأسماء التي انتهت بما أشار اليه الناقد. وهي ذاتها الأسماء التي تقوم الصحافة السورية الرسمية بتغطيتها إعلاميا مع كل حدث جديد يخصها.فهل استسلم الناقد لوجهة نظر أحادية أم أنه استسهل الاختيار؟كما أنه لم يخبر قراء الأدب في ألمانيا، عن الشعراء السوريين الذين كتبوا عن الحرب إنما من خارج سوريا. أم أن النقد يشترط كتابة القصيدة داخل قذائف الدبابات ليكون تعبيرا عن الحرب؟!وحتى قراءة آخر الحوار الذي تحدث فيه الناقد عن شعرائه، لم يعرف قراء العربية، قبل الألمانية، ماهي الآلية التي اعتمدها لاختيار النصوص، ومن قبلها اختيار الأسماء. فقط شعراء كتبوا عن الحرب من داخل سوريا. هل هذا كافٍ ليكون معيارا يعتد به؟!التنبؤ لايتصالح مع النقد أبداًوعلى ذات الآلية التي تم فيها اختيار الأسماء، سنقرأ "تنبؤات" الناقد عن مستقبل الشعر السوري بعد الحرب، فيقول قاطعاً جازماً: "الشاعر السوري بعد الحرب سيكون فرزدق قصيدة حديثة لأنه يكتبها انطلاقا من إيمانه ومعاناته وتجربته، وليس انطلاقا من مبدأ التأنّق والاهتمام برسم أجمل صورة". ولم يوضح الناقد في حواره، كيف له أن يتأكد من أن الشاعر السوري في المستقبل لن يهتم بالتأنق لرسم أجمل صورة.فقد ينشأ تيار أدبي يهتم بالصورة الشعرية مثلا؟ وماهو المانع؟ فالتزيين والتأنق ونحت العبارات والصور، هو ديدن الممارسات الشعرية في أي عصر وأية ثقافة. ولعل البحتري واحداً من الظواهر التي تؤكد أن الانصراف الى نحت الصور والتأنق البياني، هو جزء من الاختبار الشعري الذي لاينتهي أبداً بمنطق الضربات القاضية، بل بمنطق "عودة الموتى" الذي أبدع فيه الأميركي هارولد بلوم عندما أوضح في نظريته النقدية، أن العلاقة مابين القديم والجديد يحددها "التكتّم" الذي يتلوه "الانحراف" ثم الوصول "الى عودة الموتى" وهو انتصار النموذج القديم الذي يقوم هو، بتعديلاته وتنقيحاته، على النص الجديد!هارولد بلوم، لم يتنبأ. هذا الناقد الذي ترجمه واحدٌ من أبرز الشعراء السوريين الجدد، الدكتور عابد اسماعيل، بل تعرف اليه شخصيا لدى تحضيره للدكتوراه في الولايات المتحدة الأميركية، وأخبر عنه أن محاضرته الجامعية تجعل المكان مختنقا بتلامذته وعشاق الأدب ونقاده، لم يقم بقراءة الفناجين أو تملّي الكرة الزجاجية السحرية. بل وضع ضوابط تفكيره على الملأ، قبل أن يقول مايريد قوله.فهل كان اختيار تسعة أسماء، للتعبير عن شعر الحرب السورية الحالية، تمّ بنفس منطق التنبؤ الذي أخبرنا فيه الناقد عن "فرزدق" سوري جديد، يأتي بعد الحرب، ويطيح بالصور الشعرية التي ستمر أمام ذائقته الأدبية "كلمى هزيمةً"؟!
Variety
بورتريه للموت.. هل يتّفق التنجيم مع النقد؟!
09 ديسمبر 2015