أميرة صليبيخ
استلهمت فكرة مقالي لهذا الأسبوع من كتاب يحمل اسم «الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية» للدكتور مصطفى حجازي. فعندما قرأت العنوان أخذت كعادتي في تذّوق الكلمة واستشعارها لمعرفة ما تثيره بداخلي قبل أن أقفز لقراءة الكتاب. رحت أتفحصها متسائلة أولاً: ما معنى الهدر؟ وما الذي يعنيه أن تكون إنساناً مهدوراً؟ هل أنت كطعام فائض عن الحاجة، أو ملابس قديمة لا حاجة إلى الآخرين بها، أو أنت مثل الماء المهدر المتسرب إلى المجاري؟ في الحقيقة كلمة (هدر) مفزعة ولا تحمل في طياتها ما يوحي بأي إيجابية.
أنت مُهدر! أظن أنها تعادل أن يقال لامرأة: لم أعد أحبك/ أو أنت طالق! أو أن يقال لموظف: أنت مفصول من العمل أو أنت لست جيداً بما فيه الكفاية، أو أن يقال لشخص ما أنت غبي! ففي المحصّلة النهائية ستكون إنساناً استبيحت إنسانيته بدرجات مختلفة ووُضع في خانة اللاجدوى! أي تم تحويله إلى صفر على الشمال بنجاح!
ولعل أكثر من يعرف قسوة هذه الكلمة هم الموظفون الكادحون الذين يقضون أعمارهم في خدمة المؤسسات التي يعملون بها ثم يفاجؤون بأن لا درجة ولا ترفيع ولا أي كلمة ثناء قد منحت لهم. في هذه اللحظة فقط يشعر الموظف كمن أريقت كرامته، وأهدرت سنوات عمره دون أي مردود مادي أو معنوي، فيبتلعه الشعور بالخذلان وعدم الحيلة.
«أنت مهدر» ولست سوى إضافة ثقيلة وعبء على المؤسسة التي تعمل بها. «أنت مهدر» وعليك الاحتفاظ بشغفك لنفسك؛ لأنك فائض عن حاجة المكان! وستبقى حاملاً هذا الشعور إلى حين التقاعد: موظف مهدور الطاقة ومهدور الأمل وبلا أي دافع للحياة.
وقس على ذلك نماذج أخرى كالزوجة التي تمنح دون مقابل ولا تجد سوى الجحود من أبنائها وزوجها! الآخرون الذين يبذلون الحب والعطاء وهم يتوقعون أنهم سيلاقون مثله في المقابل! الفنان المبدع الذي يعرض فنه في غير موقعه لمن لا يفهم أو يستوعب ما يقدمه!
في الواقع، جميعنا يطالنا الهدر بدرجة أو أخرى، ولكن أعظم الهدر هو أن تُهدِر نفسك! وذلك عندما لا تكون مشبعاً ذاتياً، ولا راضياً عن نفسك لعدم تحقيق أهدافك وربما لا أهداف لك من الأساس! عندما تضحي بالكثير مقابل فضلات اهتمام قليلة! كل هذه أوجه هدر في حق النفس.
عندما تعرف قيمتك العالية وتستشعر عَظَمة أن تكون مخلوقاً نُفخ فيه من روح الله ومسخر له كل ما في السماوات والأرض، عندها لن تسمح لشعور الهدر أن يطالك.