كان واضحاً منذ اللحظة الأولى، أن إطلاق 3 صواريخ من جنوب صور تجاه شمال إسرائيل، والذي تبنته الجبهة الشعبية، لم يكن رداً من حزب الله، وأن الرد المدفعي الإسرائيلي جاء تحذيريا لا أكثر.ويبدو أن العلاقة بين إسرائيل وحزب الله - مع اختلاف المعطيات - تعيش سيناريو مكررا لما جرى في يناير العام الحالي، بعد أن اغتالت إسرائيل جهاد مغنية.وهو من انتدبه حزب الله لاستبدال القنطار في إدارة تفعيل جبهة الجولان السوري ضد إسرائيل والجنرال الإيراني وبعض القيادات من الحزب.وأُطْلق حينها أيضا صاروخان تجاه إسرائيل قبل أن يأتي الردّ بمضي 9 أيام حين استهدف مقاتلو الحزب موكبا عسكريا إسرائيليا في مزارع شبعا، وقتلوا جنديين.وانتهى الموضوع باحتواء الموقف سريعاً، وهذه المرّة أيضا يلقي حزب الله نفسه أمام المعضلة ذاتها، فهو "مضطرّ" للردّ لحفظ ماء الوجه "وترميم شيء من شعبيته التي انهارت بسبب تورطه في سوريا لبنانيا وعربيا، وذلك بالظهور كمن يقارع إسرائيل وتأكيد معادلة الردع معها بأن أيّ استهداف لقياداته أو رموزه يقابل برد عسكري، وقد يختاره كما في المرّات السابقة عسكريا صرفا، لأنه أقلّ كلفة وقد لا يشعل فتيل حرب شاملة يبدو حزب الله أبعد ما يكون بحاجتها في ظلّ غرقه في الحرب السورية وخسائره هناك.لهذا أوقفت إسرائيل دورياتها العسكرية على امتداد الحدود مع لبنان، كما في الجولان المحتل، وأصدرت تعليمات لمقاتلاتها بتكثيف الطلعات فوق جنوب لبنان واستهداف أي منصات إطلاق صواريخ ترصدها هناك.لكن رد حزب الله صاروخياً ليس الاحتمال الأقوى حدوثا، أيّ إن التوقعات الإسرائيلية تتجه نحو ردّ مدروس ومحدود لحزب الله، لكن العمل العسكري ليس علما دقيقا دائماً، فهكذا مثلا لو أن جميع صواريخ الكورنيت التي أطلقها حزب الله على الموكب العسكري في المرة الماضية أصابت أهدافها لاختلفت النتيجة.ولم يكن الاحتواء سهلا، فأي هجوم حدودي يبقى قادراً على تفجير الوضع برمته، أما الشّق الثاني من "معضلة حزب الله" فهو أنه ليس بالضرورة يرغب في الرد لأكثر من اعتبار أولا لخشيته من حسابات خاطئة في الرد تشعل حربا.وحدثت في تاريخه مثل هذه الحسابات، كان أشهرها حرب تموز، التي اعترف نصرالله أنه لو كان يعرف نتائجها لما بادر إليها.أما الأمر الآخر، يمكن أن القنطار على رمزيته ونجوميته في صفقة التبادل عام 2008، وهو لاعب تعزيز في الحزب وليس من قياداته أو أبنائه خلافا لجهاد مغنية مثلا.وتدعي مصادر إسرائيلية أنه كان في الأشهر الأخيرة على شيء من الخلاف مع قيادة الحزب، وسبق وأشرنا إلى أنها حاولت استبداله بجهاد مغنية في يناير- وذلك لأنه لم يكن ناجحا عسكريا في تحريك جبهة الجولان، حيث شنّ 5 عمليات على جيش الاحتلال في الجولان المحتل لم تسفر إلا عن جرح جنديين، كما أنه وبحسب المصادر العسكرية ذاتها، عمل باستقلالية وانتقل للعمل مباشرة مع فيلق القدس الإيراني إلى جانب مصطفى مغنية الابن الثاني لعماد مغنية، والذي قد يكون الهدف القادم للاغتيال الإسرائيلي.لماذا قتلت إسرائيل القنطار وماذا يحدث على الأرض؟صحيح أن لإسرائيل ثأراً مع سمير القنطار عمره 36 عاما، منذ عملية نهاريا الشهيرة، لكن اغتياله لم يكن بسبب تاريخه، وإنما بسبب ما كان يخطط للقيام به، بحسب مصادر أمنية وسياسية في إسرائيل.أشارت تلك المصادر إلى أن استهداف الشقة في جرمانا - والذي تم من خارج الحدود السورية على أرضية استخبارات بشرية فورية.جاء ذلك لمنع سلسلة هجمات كان يعد لها المجتمعون بتمويل وإيعاز إيرانيين، ولأن القنطار استغل تدخل إسرائيل بضغط من الدروز داخلها لمنع سقوط قرية حضر آخر معاقل النظام في الجولان السوري والعقبة الأخيرة التي تحول دون سيطرة المعارضة المسلحة على كامل الجولان السوري من الحدود الأردنية إلى تلك اللبنانية، لتكرار محاولة تفعيل جبهة الجولان ضد إسرائيل، لا سيما وقد بدأ الإسرائيليون يلاحظون نتائج التدخل الروسي بسوريا في الجولان السوري أيضا.فإن كانت قوات النظام تسارع إلى الانسحاب وتتخلى بسرعة عن مواقعها للمعارضة، فقد أصبحت تبادر إلى الاشتباك ومحاولة استعادة المواقع بروح قتالية مختلفة.كما أن إيران - بحسب الإسرائيليين - أصبحت صاحبة القرار الوحيدة فيما يتعلق بلجان المقاومة السورية التي قادها القنطار إلى حدّ تسميتها" باللواء الإيراني " أخيراً.واللافت أن جيبا ضيّقا في قرية حضر ومحيطها أصبح يشكل همّا استراتيجيا لمحور إيران والنظام وحزب الله، فهو معقل أخير ومحاصر يمنع المعارضة من فتح جبهة الحدود مع لبنان.ففي جباثا الخشب ومزرعة بيت جن شمال الجولان تسيطر المعارضة، وفي وسط الهضبة تسيطر جبهة النصرة والجيش الحرّ، وفي الجنوب جبهة النصرة وكتائب شهداء اليرموك.وكانت كتائب شهداء اليرموك قد أعلنت ولائها لداعش، وضعفت بعد أن خاضت معارك مع جبهة النصرة، أي أن المعارضة المسلحة والفصائل المتطرفة لا تزال تسيطر على أكثر من 90% من الجولان، بعد أن فشل النظام ومن يعاونه في استعادة المناطق وتفعيل الجبهة هناك.إن كل ما يقلق إسرائيل حاليا هو أن تتجدد المحاولة في ظل التدخل الروسي - الذي يشمل غارات في القنيطرة ومحيط درعا أخيراً، لتفعيل الجبهة الساكنة منذ عقود.وإن كان التعويل الإسرائيلي على التنسيق اللصيق مع روسيا قائما، ليس فقط فيما يتعلق بالخطوط الحمراء الإسرائيلية كشن غارات على قوافل الأسلحة الاستراتيجية ومنع تهريبها لحزب الله، بل حتى في تبادل معلومات استخباراتية ميدانية لمنع استهداف الجيشين الإسرائيلي والروسي.ومن الواضح أن إسرائيل تحولت إلى لاعب جدي في الحرب الدائرة في سوريا وتستفيد من استنزاف غير محسوم عسكرياً لجميع الأطراف هناك.