كثيراً ما كنا نقرأ عن العرب من وجهة نظر الغرب ومن وجهة نظر الشعوب الأخرى، لكننا لم نقرأ عن الغرب من وجهة نظرنا نحن العربَ، حين قام الكاتب الياباني نوبوأكي نوتوهارا بكتابة كتابه «العرب من وجهة نظر يابانية» كان قد عاش في الدول العربية سنوات عديدة ما جعله يكتب هذا المؤلف سواء اختلفنا أم اتفقنا مع ما طرحه فهو قد كتب ما شاهده وعايشه في تلك الفترة التي قضاها عند العرب، ولست هنا بمعرض الحديث عن كتابه، ولكن لماذا لا نقرأ مثل تلك العناوين عن الغرب؟ ولماذا لا يتم نقدهم بتلك الصورة اللاذعة التي ينتقد فيها العرب، ودائما ما يسلط علينا الإعلام بتشويه صورتنا في كافة المحافل وعبر مختلف الوسائل والمنصات الاجتماعية؟
ولو قمت برصد مجمل الدراسات والأبحاث العلمية لوجدت الصورة النمطية التي خلقها الإعلام الغربي عنا نحن العرب، ونعتنا بصفات وسمات أُطلِقت بلفظ العموم، كما أن السينما الغربية لم تقصر في تنميط الصورة العربية وتشويهها بكافة الوسائل الممكنة؛ فالعربي ثري ثراءً فاحشاً تحوطه النساء من كل حدب وصوب ومتخلف لدرجة تبعث على السماجة.
والسؤال الذي يُطرح، لماذا سمح العرب بهذه الصورة السلبية التي تطاردنا في كل شاردة وواردة؟ ولماذا دائماً ما يقف العرب في موضع الضعيف المغلوب على أمره؟ الحقيقة لعلها تكون مؤلمة وتضعنا في موضع إشكالية كبيرة جداً، أولها أن هناك بعض التصرفات غير اللائقة وغير الأخلاقية البعيدة كل البعد عن الدين التي تصدر من البعض ويتم تعميمها، ثانيها ضعف الإعلام العربي والذي قد يخلق أيضاً مثل هذه الصورة عن العرب أنفسهم، ولعل السينما خير مثال على ذلك، ثالثها العولمة التي غزت الشعوب دون أن يتم إعداد العدة الصحيحة لمواجهتها برغم الكتب التي ظهرت في ذلك الوقت وحذرت من مساوئ العولمة، رابعها الفجوة الكبيرة بين الحاكم والمحكوم التي خلقت نوعاً من أزمة الثقة وهو ما مهد لظهور ثورات الربيع العربي.
ولا ننسى التدخلات الأجنبية التي أججت ذلك الصراع ودمرت الشعوب أكثر مما عمرتها، وخامسها وهو أن العرب أنفسهم قد ساهموا في تشويه صورتهم في إطار تعليق الشماعة على الآخرين دون النظر إلى أنفسهم وتحميل الآخرين تلك المسؤولية، ودون أن يعوا بأنه عليهم أولاً أن يتحملوا المسؤولية قبل لوم الآخرين.
وهنا أود أن أعكس تلك الصورة، لماذا لم يتم تنميط الغرب بصورة سلبية بالرغم من الكثير من الصفات غير اللائقة التي نراها تصدر منهم، كانحراف الأخلاق، والتلفظ بألفاظ نابية، وغيرها.. لأنهم كانوا قادرين على نزع تلك الصورة لقوة إعلامهم حتى لم يجرؤ أحد على نقدهم وتنميطهم بصورة سلبية، ولأن العولمة استطاعت غزو العقول لدرجة التشبه بالغرب وأخذ قشور تلك الثقافة دون رؤية لبها.
لعل ما حدث في غزة قد عرّى الغرب ونزع عنهم لباس الديمقراطية التي كانوا يتبجحون بها، ومواثيق حقوق الإنسان التي صدعوا رؤوس العالم بها قد مزقتها شعوبهم، ولكن دعني أهمس لك بالواقع المرير أن تلك الشعوب الغربية أيضاً استطاعت خلق صورتها الحسنة أمام المنصات الاجتماعية بأنها أفضل منا في الدفاع عن القضية، وسنظل دائماً ما نبحث عن صورتنا الحقيقية، وسنظل نلمّع صورة الغرب، ولن نكون قادرين على كتابة سطر واحد عن صورة الغرب من وجهة نظرنا العربية، لأن الشعوب العربية تعاني من أزمة حقيقية وهي أنها شعوب تعاني من تراكمات قد غشت قلبها.