د. سامح بدوي
التعليم والتعلم أزمة وعي أم أزمة تكوين؟ سؤال يقتضي التأمل في واقع العديد من مؤسساتنا التربوية ومشكلاتها التي ليست نتاج نقص إمكانات أو قدرات بقدر ما هي نتاج اللاوعي، فمازال الكثير من المعلمين في مرحلة التكوين يفصل بين الواقع والتنظير، ويرى أن نظم التعلم ونظرياته واستراتيجياته يجب أن تبقى فوق أرفف الكتب والمكتبات، أما الواقع فيفرضه برؤيته الخاصة في التعلم والتي لا تستند إلى المعارف ولا ترتبط بدراسات في كثير من الأحيان -وهذا بلا شك ليس تعميماً-، ولكنه حقيقة جعلتني غير مدرك هذا الإصرار بعدم الربط بين التنظير والواقع ومقاومة المستجدات، وكيف لا ندرك أن التعلم ينتقل عبر طرائق حديثة تختلف عما تعلمنا به في أزمنة اختلفت وما زالت تختلف، فنحن في وقت يبحث العالم فيما وراء المعرفة -معرفة المعرفة-.
فالمعرفة المجردة ليست خياراً استراتيجياً للمجتمعات ؛ لأن العقول لم تعد خزائن وحاويات للعلوم بقدر ما باتت أداة تنتج وتطبق المفاهيم والمهارات، وأصبح المتعلم معالجاً للمعارف وليس ناقلا لها، قادراً على جمع المعلومات واستقصائها وتطويرها وفق مصادر ليس من بينها جدران الفصول التي تنتج ملايين الكلمات والجمل بلا فائدة، ليحقق بذلك التعلم النشط ويكون قادراً على إصدار أحكام ومقارنات دقيقة للمعلومات، ويفهم كيف يتعلم ومتى؟ ويوجه قدراته نحو التفكير فيما يفكر وكيف يفكر؟، ويبني أحكاما على أنماط هذا التفكير ودقته، ويمتلك السيطرة على نشاطاته العقلية، ومتابعة أدائه وتوجيهه نحو حل المشكلات والفصل بين المعتقد والتفكير.
هذا هو الوعي الذي ينبغي أن يتشكل لدى المعلم، نحن لسنا بحاجة لملقني معارف إنما بحاجة إلى داعمين لما وراء المعرفة التي تُعنى بقدرة المتعلم على تحقيق التعلم القائم على المهام والتكليفات والبحث، دعونا نسعى إلى التحرر من قاعات الدراسة وجدرانها وننطلق نحو التدريس بالمشروعات وفق أنماط التعلم التي تؤكد أن لكل متعلم نمطاً مستقلاً بذاته، أنماط لا تؤمن بأغلفة الكتب التي قيدت العلوم وكبلت العقول، ولا تطور طرائق وأنماط العلوم والمعارف، ولا تسعى لتأصيل ما وراءها لدى طلابنا، فحين يتشكل الوعي تتطور آليات التعليم والتعلم في مدارسنا ولدى طلابنا وسنكون قادرين على دعم ممارسات التفكير ومهارات التعلم غير اعتيادي، والتعلم بأدوات المعرفة الخارقة، وستصبح ما وراء المعرفة واقعاً للتعلم وليست رفاهية في مدارسنا وجامعتنا.