أتذكر فيما يتعلق بصفقات التسلح وشراء المعدات العسكرية، كانت الولايات المتحدة وبريطانيا بالتحديد تستخدمان العملية كـ«ورقة ضغط» لفرض رؤاهما على الدول الأخرى، وبالأخص هنا واشنطن.
ألا تتذكرون كيف كانت تصدر دعوات في الكونغرس أو مجلس العموم بأسلوب «مسرحي»، مضامينها رفض التعامل العسكري مع البلدان العربية، ومع دولنا، وإقران ذلك بالتدخل في شؤوننا الداخلية واستخدام مصلحات حقوق الإنسان والحريات وغيرها، وكلها استخدامات بأسلوب «حق يراد به» باطل.
هي مغامرة ومقامرة كانت تغذيها رغبة التدخل في شؤون الآخرين وفرض رؤاهم وما يخدم مصالحهم، إذ في جهة هم يعرفون أن التعامل العسكري مع الدول الخليجية والعربية تعامل مربح، والأكبر من ذلك، هو تعامل مع أطراف نزيهة ونظيفة في علاقاتها مع الغرب، بخلاف ما يفعله الغرب، لكن مغامرتهم تتمثل في البحث دائماً عن أوراق ضغط.
اليوم هذا الضغط لا يفيد مع دولنا، إذ أسلوب «الاستعمار الناعم» أو «التدخل الملتوي» لن يقبل به أبداً، والولايات المتحدة بالذات استوعبت ذلك بالطريقة الصعبة، وعليه يفترض أنها اليوم تدرك الأسلوب الصحيح للتعامل مع الدول التي لا تقبل المساومة في سيادتها واستقلالية قرارها.
اليوم تنقلب الصورة، وتقف الولايات المتحدة ومن معها في موقف «الداعم لمجازر بشرية» والحامي لمن يرتكب «إبادة بشرية»، وهذا ليس بقولنا كعرب ومسلمين فقط نتعاضد ونتضامن مع أشقائنا والشعب الفلسطيني الذي يعاني من اعتداءات وحشية وانتهاكات إنسانية وحرب إبادة وتهجير، بل العالم الذي يمتلك ضميراً إنسانياً حياً تحدث ونطق وأدان وشجب بكل قوة، إذ ما حصل ومستمر بات يثبت أن هناك نظاماً لا يعمل إلا بالوحشية والاعتداءات وقتل الأطفال والأبرياء، وهو إسرائيل، وأن هناك نظاماً يدعي أنه «شرطي العالم» وأنه «حامي حريات الإنسان» وأنه «يقدس حياة الناس»، لكنه في المقابل يحمي ويدعم إسرائيل، ويتصدى لكل ما يعرضها للإدانة والمساءلة، بل يعطل قرارات الشرعية الدولية ويتصدى لكل دولة تدين انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة في فلسطين، وطبعاً نتحدث عن واشنطن.
من ضمن ما تضمنه بيان القمة العربية والإسلامية أمس نقطة مهمة تبين لك كيف أن الدم الفلسطيني لا يلطخ الأيادي الإسرائيلية التي سفكته بدم بارد، بل هو دم على يد كل من يدعم هذا الكيان بالأسلحة والذخائر التي تستخدمها السلطات الإسرائيلية والمستوطنون في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومرافقه.
من يدعم إسرائيل بالأسلحة هو شريك لها في الجريمة، وهنا ستجدون واشنطن في المقدمة، وهي تؤكد ذلك بقوة، فمع إمدادها لإسرائيل بالأسلحة، هي التي تعطل كل شيء قد يؤدي إلى وقف هذه الاعتداءات والمجازر الإنسانية.
كل كلامهم عن حقوق الإنسان، وعن استخدام صفقات التسلح كورقة ابتزاز باسم حماية البشر، كلها «أكاذيب» كشفتها دائما مواقفهم التي لا تكترث بالإنسانية وتضربها في عرض الحائط، دام الدم عربياً مسلماً، وإن كان يخص جهة تقف منها موقف الضد.