شهد العام 2015 العديد من الانجازات على الصعيد الخليجي على مختلف المجالات، كما شهد توافقات كبيرة بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في القضايا كافة.وبدت الدول الخليجية مقتنعة أن الوحدة فيما بينها من ناحية وتوحيد الجهود العربية والإسلامية من ناحية أخرى هي الخطوتان الأساسيتان التي يجب السير باتجاههما وفورًا لمعالجة أزمات المنطقة ولذلك يمكن القول أن عام 2015 هو عام الاتحاد الخليجي أيضًا، فقد أصبحت المبادرة التي أطلقها الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز طيب الله ثراه مطروحة بقوة هذا العام رغم وفاة جلالته في شهر يناير هذا العام ليتأكد للجميع أن المبادرة السعودية لا تتعلق بالملك الراحل فقط ولكنها مبادرة نبعت من حاجة خليجية ماسة إلى الاتحاد، ففي الاتحاد قوة، وفي الاتحاد منعة، وفي الاتحاد ردع لكل من تسول له نفسه محاولة زعزعة امن واستقرار دول مجلس التعاون الخليجي.وقد طرحت مبادرة الاتحاد الخليجي بقوة على الدورة السادسة والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية يومي 9 - 10 ديسمبر 2015. باعتباره مسألة مصيرية، فكل الظروف الإقليمية والدولية تدفع دفعًا إلى تحقيق الاتحاد المنشود، فالتحديات المنظورة اليوم تتطلب تعاونًا يتعدى مرحلة التعاون التي نجح في تحقيقها مجلس التعاون الخليجي على مدى 32 عامًا، وجميع مواطني دول المجلس يرنون الآن إلى الاتحاد حيث أصبح مسألة حتمية وضرورية في ظل الأحداث الجسام التي تمر بالمنطقة.وفي الوقت الذي ارتفعت فيه خلال العام 2015 حدة التحديات التي تواجه العديد من دول المنطقة ومعها ارتفعت المخاطر على دول المجلس وأبرزها خطر الإرهاب والمخاطر على الأمن الخليجي، فقد استوجبت هذه التحديات الخطيرة جهدًا خليجيًا مضاعفًا لحماية حدودها وحل الأزمات في المنطقة ومنع امتدادها إلى دول المجلس، وقد برزت في هذا الصدد جهود دول مجلس التعاون حيث انطلقت خلال عام 2015 بمبادرة سعودية ورعاية من خادم الحرمين الشريفين الاتحاد من أجل إعادة الشرعية إلى اليمن ثم الاتحاد الإسلامي العسكري بمشاركة 34 دولة عربية وإسلامية وبدعم قوي من دول أخرى إسلامية.والملاحظ أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية باتت تلعب دورًا مركزيًا في كل هذه التحالفات يضاف إليها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش" الارهابي، فقد أدركت دول المجلس أن عليها تحمل مسؤولية قيادة العمل العربي والإسلامي المشترك في هذه المرحلة التاريخية والمفصلية لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة.وقد لعبت دول مجلس التعاون الخليجي دورًا محوريًا وقياديا عام 2015 في أزمات المنطقة كافة ففي الأزمة اليمنية قامت بتلبية نداء الرئيس اليمني الشرعي عبد ربه منصور هادي لإعادة الشرعية إلى بلاده، فكانت عاصفة الحزم التي حققت نصرًا عسكريًا مؤزرًا ثم تلتها عملية إعادة الأمل من أجل إعادة الإعمار جنبًا إلى جنب مع مواصلة مطاردة الانقلابين هناك حتى يذعنوا لقرارات الشرعية الدولية، وأصبحت قوات التحالف تسيطر الآن على أكثر من 70% من أراضي اليمن.وفي سوريا قامت دول المجلس بجمع كافة الأطراف السورية للاتفاق سويًا، كما قامت بجهد إغاثي وإنساني كبير تجاه اللاجئين السوريين، كما قامت بدعم ومساندة جمهورية مصر العربية من أجل استتباب الأمن والاستقرار بها، وشاركت بجهد واضح في التحالف الدولي للقضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي في سوريا والعراق والذي زادت خطورته إقليميا وعالميا عام 2015 واستوجب ذلك جهدا دوليًا لمكافحته لم تتوان دول الخليج العربية عن المشاركة فيه.وقد شهد العمل المشترك خليجيا سواء على المستوى الثنائي أو الجماعي طفرة كبيرة هذا العام، من خـلال تعميق مسيرة مجلس التعاون والتنسيق في مختلف المجالات. حيث واصل قادة دول المجلس اجتماعاتهم ولقاءاتهم الثنائية والجماعية خلال العام 2015 لبحث التطورات في المنطقة والعالم وتعزيز التعاون الثنائي، وعقدت القمتان الخليجيتان التشاورية والعادية في موعدهما بالرياض بحضور كبير من كافة دول المجلس.ووقفت دول المجلس موقفًا قويًا تجاه القضايا التي تمس أمنها واستقلالها، فكانت وقفة دول المجلس ولازالت قوية مع مملكة البحرين في مواجهة التدخل الإيراني المتواصل في شئونها، كما واصلت دول المجلس التأكيد على ضرورة إنهاء الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث التابعة للإمارات العربية المتحدة وتضامنت مع الكويت والبحرين والسعودية ضد المخططات الإرهابية التي استهدفتها، فضلا عن التنسيق وتوحيد الموقف ازاء الإعلان عن التوصل لاتفاق بين ايران ومجموعة 5+1 بشان ملفها النووي.كما قامت دول مجلس التعاون بالتحرك لتوسيع مجالات التعاون مع الدول الصديقة والشقيقة فعقدت اجتماعات بين مجلس التعاون والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية ومصر وباقي الدول العربية، كما جرى اجتماع للحوار السياسي بين مجلس التعاون واليابان في 22 يناير 2015. وبين مجلس التعاون وأستراليا يوم 17 فبراير 2015، ومجلس التعاون والاتحاد الأوروبي في مايو 2015. ومجلس التعاون وكندا في 15 يونيو 2015. كما عقدت عدة اجتماعات لمنتدى التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون والولايات المتحدة الأمريكية، آخرها الاجتماع الخامس الذي عقد في نيويورك في سبتمبر 2015، ويسبقها اجتماعات تحضيرية لكبار المسؤولين من الجانبين. وفي 14 مايو 2015م، عقد في كامب ديفيد اجتماع بين ممثلو دول مجلس التعاون والرئيس الأمريكي باراك أوباما، أكد فيه القادة على التزامهم بالشراكة الأمريكية الخليجية طويلة الأمد وتعهدوا على الاستمرار في تعزيز الروابط بين الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس التعاون لبناء علاقات وثيقة في كافة المجالات لتعزيز أمن مجلس التعاون للمضي قدما بمصالحهم المشتركة في المنطقة. كما اجتمع وزراء خارجية دول المجلس مع فيليب هاموند وزير خارجية المملكة المتحدة، في العاصمة الفرنسية باريس في 2 يونيو 2015م. كما تم عقد لقاء قمة بين قادة دول مجلس التعاون والرئيس الفرنسي على هامش القمة التشاورية الخليجية 5 مايو 2015 وتم اقتراح إطار عام للشراكة الاستراتيجية بين مجلس التعاون وفرنسا.وفي المجال العسكري واصلت دول الخليج العربية تدعيم جيوشها بأحدث المعدات المتطورة وتكثيف التدريبات العسكرية وقامت بتطوير سبل التعاون الدفاعي المشترك حيث تم استكمال الدراسات الخاصة بالقيادة العسكرية الموحدة بدول المجلس وما يتعلق باحتياجاتها من الموارد البشرية والميزانية التشغيلية، ومتابعة استكمال احتياجات ومتطلبات مقر القيادة العسكرية الموحدة بالرياض، والانتهاء من إنشاء مبنى مركز العمليات البحري الموحد وإعداد استراتيجية موحدة للحماية ضد الحرب الإلكترونية وحروب الفضاء الافتراضي (Cyper Warfare).وتوافق وتكامل أنظمة القيادة والسيطرة والاتصالات للقوات المسلحة بدول المجلس. والاستمرار في السعي لتوحيد العقيدة القتالية والمفاهيم والتدريب المشترك. وتحديد القدرات والإمكانيات والموارد الحالية المتوفرة في دول مجلس التعاون لخدمة المجهود الحربي والتكامل الدفاعي. وإيجاد آلية تنسيق موحدة للقوات المسلحة بدول المجلس لشراء الأسلحة والمعدات والأجهزة وصنوف الذخائر.وفي المجال الأمني نجحت الدول الخليجية عام 2015 في حماية أمنها واستقرارها من خلال كفاءة أجهزتها الأمنية في متابعة ورصد والتصدي للخلايا الإرهابية وبتفعيل التنسيق فيما بينها للكشف عن هذه الشبكات الإرهابية التي كانت تنوي تنفيذ عمليات إرهابية والحمد لله أفشلت مخططاتها ومن بينها التعاون البحريني السعودي في الكشف عن متفجرات كانت في طريقها للمملكة العربية السعودية في مايو 2015.وكان من الملاحظ هذا الكم المرتفع نسبيًا عام 2015 للشبكات الإرهابية التي تم اكتشافها في دول مجلس التعاون الخليجي والكميات الهائلة من المتفجرات التي تم العثور عليها كما تم اكتشاف قوارب لتهريب السلاح والمتفجرات من جهات إيرانية إلى دول المجلس، ويؤكد هذا أولاً أن دول مجلس التعاون باتت مستهدفة من قبل الجماعات الإرهابية نظرًا لجهودها المتميزة والكبيرة في القضاء على آفة الإرهاب ومحاولة استئصاله نهائيًا ، كما يؤكد أيضًا أن التحرك الخليجي الفاعل للقضاء على أزمات المنطقة أوجد لها أعداء ممن يريدون استمرار الفوضى تحقيقا لغاياتهم وأهدافهم، وأخيرًا يؤكد أن إيران باتت تتحرك بحرية أكبر لدعم الخلايا النائمة لها في الخليج بعد الاتفاق النووي وتحريكها نحو القيام بأعمال تخريبية. وقد كانت كفاءة الأجهزة الأمنية الخليجية هي الرادع لهذه المخططات الآثمة، ونعمت دول الخليج والحمد لله بالاستقرار والأمن خلال عام 2015.في المجال الاقتصادي حققت دول مجلس التعاون الخليجي معدلات نمو جيدة هذا العام وصلت إلى 3.2 % وفق تقرير البنك الدولي أكتوبر 2015، واستمرت في تنفيذ ومتابعة خطط التنمية بها، فالتحديات الكبيرة التي واجهتها دول المجلس لم تثنها عن متابعة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهكذا هي عهدها دائما فالأمن ومتطلباته لا يجعل دول الخليج تتجاهل التنمية ورفاهية شعوبها، وقد حققت معدلات نمو معقولة، وقد واجهت دول المجلس مسألة تدني أسعار النفط وما استتبعه ذلك من إعادة توجيه لمواردها لخدمة مواطنيها وإعادة النظر في سياسات الدعم التي استنزفت موازناتها بإعادة توجيه الدعم لمستحقيه. وعلى مستوى العمل الخليجي المشترك واصلت دول مجلس التعاون عن طريق اللجان الوزارية الدفع بأعمال التنسيق والتكامل والترابط الاقتصادي والتنموي بين الدول الأعضاء قدماً لتحقيق الأهداف الأساسية لمجلس التعاون. كما استمرت دول المجلس في تحقيق طفرات في مجالات التنمية البشرية كالتعليم والصحة والإسكان والبنية الأساسية والرياضة والبيئة كما حققت طفرات في مجال الإعلام والثقافة سواء على المستوى الفردي كدول أو على المستوى الجماعي في إطار مجلس التعاون أو على مستوى التعاون المشترك في هذه المجالات. وليس أدل على ذلك من تصدر دول مجلس التعاون المراتب الأولى في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة لتكون في مراتب متقدمة عالميًا وفي المراتب الأولى عربيًا وفي الشرق الأوسط كله.إن شعوب دول مجلس التعاون الخليجي لتفخر بما حققته دولها عام 2015 فقد استطاعت حماية أمنها واستقرارها رغم التحديات الثقال واستطاعت مواصلة التنمية البشرية والاقتصادية بها رغم تدني أسعار النفط والأعباء على موازناتها والصراعات وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، واستطاعت الدفع بمسيرة التعاون حتى اقترب المجلس من صيغة الاتحاد رغم ما يعصف بالمنطقة من أزمات، وكل ذلك بجهود قادتها حفظهم الله ورجالها البواسل وتتطلع دول المجلس إلى أن يكون عام 2016 هو عام الاتحاد الخليجي بمشيئة الله.