أسوشيتد برس + وكالات
صرخات واستغاثات للنجدة كان يمكن سماعها من على متن قارب يحمل حوالي 200 لاجئ من الروهينغا لدى ظهوره وسط بحر أندامان، وفق ما ذكره شهود عيان لأسوشيتد برس.

وعلى متن المركب رضع وأطفال صغار، إلى جانب أمهات وآباء يتوسلون لإنقاذهم، وفق ما ذكرته أسوشيتد برس.

والركاب هم من مسلمي الروهينغا الذين فروا من عنف العصابات المتزايد والجوع المتفشي في مخيمات اللاجئين البائسة في بنغلاديش، ليجدوا أنفسهم تائهين بمحرك معطل. للحظة، بدا أن خلاصهم قد وصل على شكل قارب آخر يحمل لاجئين من الروهينغا توقف بجانبهم.

لكن أولئك الذين كانوا على متن القارب الآخر، الذي كان محملا فوق طاقته وبدأ يتسرب، كانوا يعلمون أنهم إذا سمحوا للركاب المنكوبين بالصعود إلى قاربهم فإنهم سيغرقون ويموت الجميع، أرادوا المساعدة لكنهم لم يرغبوا بالموت.

ومنذ نوفمبر، وصل أكثر من 1500 لاجئ من الروهينغا الفارين من بنغلاديش في قوارب متهالكة إلى إقليم آتشيه شمال إندونيسيا، ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال. ورصدت السلطات الإندونيسية، الخميس، خمسة قوارب أخرى تقترب من ساحل آتشيه.

ومع محاولة الكثير من الروهينغا العبور الخطير في الأسابيع الأخيرة، لا أحد يعرف عدد القوارب التي لم تنجح بمهمتها أو عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم.

ونقلت الوكالة رواية قاربين في محنة في البحر، تم إنقاذ أحدهما والآخر اختفى، على لسان خمسة ناجين من القارب الذي بلغ الشاطئ.

وتقدم الشهادات الأدلة الأولى حول مصير القارب الذي يحمل ما يصل إلى 200 لاجئ من الروهينغا المفقودين منذ أسابيع. وفي الثاني من ديسمبر، وجهت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين رسالة عاجلة بشأن القاربين المنكوبين وحثت الدول على البحث عنهما.

لكن في حالة القارب الذي لا يزال مفقودا، يبدو أن أحدا لم يبحث عنه.

ومن شاطئ رمادي مليء بالقمامة بالقرب من المكان الذي وصلوا فيه إلى الشاطئ، في 10 ديسمبر، أخبر الناجون وكالة أسوشيتد برس عن رحلتهم المروعة والقرارات المؤلمة التي اتخذوها على طول الطريق.

"أتذكر أنني شعرت أننا معا كان أمرنا سينتهي. معا، كنا سنغرق"، يقول محمد جبير، البالغ من العمر 31 عاما، والذي كان من بين 180 شخصاً على متن القارب الذي تم إنقاذهم، مع أطفاله الثلاثة وزوجته وصهره، مرددا "معا كنا سنغرق".

الوداع المبكي

وبدأت قصة القارب المفقود بالطريقة التي تبدأ فيها معظم رحلات قوارب الروهينغا، مع الوداع بالدموع في الملاجئ في مخيمات بنغلاديش، حيث فر أكثر من 750 ألف من الروهينغا في عام 2017 بعد هجمات شنها الجيش في ميانمار (بورما).

وفي أحد تلك الملاجئ، احتضنت نور فاطمة شقيقها محمد أنصار (14 عاما)، وأجبرت نفسها على حبس دموعها عندما بدأ الصبي في البكاء مع بقية أفراد أسرتها، إذ علمت أن عليها أن تظل قوية حتى لا يخشى الرحلة.

وأنصار هو الابن الوحيد للعائلة، والذي حصل على فرصة التعليم والعمل في إندونيسيا، كانوا يأملون أن يكسب في أحد الأيام ما يكفي من المال لدعمهم في المخيمات، إذ لم يكن هناك سوى القليل من البدائل، حيث تحظر بنغلادش على سكان المخيمات العمل، وبالتالي فإن بقاءهم على قيد الحياة يعتمد كليا على الحصص الغذائية التي تم تخفيضها هذا العام.

وأدى تفاقم الجوع الناجم عن خفض حصص الإعاشة وزيادة عنف العصابات إلى موجة من النزوح عن طريق البحر من المخيمات.

وفي 20 من نوفمبر الماضي، كان أنصار سيقوم بالرحلة مع العديد من أقاربه، بما في ذلك ابنة عمه سميرة خاتون (20 عاما) برفقة ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات، وعندما غادر شقيقها، قالت فاطمة لنفسها إن العديد من القوارب الأخرى وصلت بأمان إلى إندونيسيا.

وفي اليوم التالي، اتصلت سميرة بعائلة فاطمة ووالدها، واخبرتهم أنهم على متن القارب، وقالت "نحن في طريقنا.. أدعوا لنا".

عبده شكور، لم يعلم أن ابنته كاجولي (12 عاما) كانت تخطط للفرار من المخيمات حتى اتصل أحد الأشخاص وقال له "إنه سيأخذها بالقارب إلى إندونيسيا".

شكور توسله حتى يبقي ابنته، لكن أصدقاءها كانوا على متن القارب، وأرادت الذهاب معهم، ليتلقى مكالمة هاتفية من كاجولي وهي على متن القارب. وكل ما استطاع فعله هو الصلاة.

قوارب بالجملة

وكان القارب الذي على متنه الجبير وعائلته يعبر البحر وعلى متنه 180 من الروهينغا المتجهين إلى إندونيسيا، حيث كان يحمل فوق طاقته.

وبعد أيام من رحلة القارب التي يبلغ طولها 1800 كلم، رصد الركاب من على متنه سفينة أخرى تتمايل وسط الأمواج، وكان قارب كاجولي وأنصار وسميرة قد تعطل والمياه تتسرب إلى الداخل، والركاب في حالة ذعر.

وكان المتواجدون على قارب الجبير يشعرون بالقلق فإذا اقتربوا أكثر من اللازم، سيقفز من على متن القارب المنكوب إلى قاربهم، وقد يؤدي إلى غرقهم جميعا، بحسب روجينا.

ولم تكن مخاوفهم من دون أساس، ويقول الراكب حسين إن 20 إلى 30 شخصا كانوا يستعدون للقيام بالقفز.

وصرخ قبطان قارب الجبير على من كانوا في القارب المنكوب أن يبقوا في مكانهم، وطلب حبلا طويلا ليربط القاربين بعضهما ببعض. فيما أشار حسين إلى أن القبطان أطلق تحذيرا "إذا حاولتهم القفز إلى قاربنا لن نساعدكم".

وما حدث بعد ذلك، كان محل خلاف، قال شكور، والد كاجولي، إن ابن أخيه أجرى مكالمة مع القبطان، وأخبر القبطان أنه وعائلته غادروا القارب المنكوب، وكانوا على متن القارب الذي جاء لإنقاذهم.

وتحدث ناجون إلى أسوشيتد برس ونفوا حدوث ذلك وقالوا إنهم لم يروا القارب.

وتحرك القاربان بعد ربطهما ببعض، وبعد ليلتين أو ثلاث ليال هبت عليهم عاصفة شديدة، ودمرت محرك قارب الجبير.

حينها هام كلا القاربين في المياه على غير هدى.

ويقول ركاب كانوا على متن قارب الجبير إن الحبال بين القاربين انقطعت، ولم يقل أحد كيف حدث ذلك، وشاهدوا القارب الآخر ينجرف إلى يمينهم. وكانوا يسمعون ركاب القارب الآخر وهم يتوسلون لإنقاذ حياتهم.

وقال جبير: "كانوا يبكون ويصرخون بصوت عال، لقد انقطعت حبالنا. من فضلك ساعدنا. ولكن كيف يمكننا أن نساعد؟.. سوف نموت معهم".

وبعدما انجرف القارب، بدأ الناس على قارب الجبير بالبكاء. وتقول روجينا: "إنهم مسلمون أيضا.. جزء من مجتمعنا.. ولهذا كنا نبكي عليهم أيضا".

ولعدة أيام ظل قارب الجبير ورفاقه في البحر، ونفد طعامهم ومياههم، وفي نهاية المطاف، رصدتهم طائرة، ووصلت سفينة تابعة للبحرية لتوصيل الغذاء والماء والدواء، ويقول الركاب إنهم لا يعرفون الدولة التي أرسلت سفينة الإنقاذ التي سحبتهم إلى المياه الإندونيسية ثم غادرت عندما أصبحوا قريبين من اليابسة.

ويقول الجبير إنه في ذلك الوقت فر فيه قبطان المركب وفرد آخر من الطاقم، حيث كافح الركاب لتوجيه القارب المدمر إلى الشاطئ، وأمضوا الليالي ينامون ويغتسلون من نهر قريب.

وفي مواجهة استقبال عدائي من السكان المحليين، ليس لديهم أي فكرة عما يخبئه المستقبل في إندونيسيا، لكنهم على الأقل يشعرون بالسرور لكونهم على قيد الحياة، ويأملون أن يكون ركاب القارب الآخر أيضا كذلك.

وأشار حسين إلى أنه يشعر بالحزن الشديد عليهم لأننا كنا في الوضع ذاته، والآن نحن بأمان "نحن نصلي فقط من أجل أن يجد هذا القارب اليابسة وأن يبقى الركاب على قيد الحياة".

ولقد مرت الأسابيع ولم تسمع عائلات من كانوا على متن القارب المفقود شيئا، وحثت ممثلة المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إندونيسيا، آن مايمان، الحكومات في المنطقة على إطلاق عملية بحث.

وقالت لأسوشيتد برس: "لديك مئات الأشخاص الذين يشعرون بالأسى بشكل واضح في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال، لم يعودوا يشعرون بالأسى بعد الآن.. تتمتع تلك الدول في هذه المنطقة بقدرات كاملة وموارد للبحث والإنقاذ".

ولم تستجب حكومات دول في المنطقة لطلبات الوكالة التعليق، أو قالت إنها لم تكن على علم بالقارب المفقود.

ودعت الأمم المتحدة، السبت، إلى إنقاذ 185 شخصا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، يتواجدون على متن قارب قبالة جزر أندمان ونيكوبار في المحيط الهندي، وأفادت في بيان بأن نحو 70 راكبا هم من الأطفال، في حين أن 88 هم نساء.

وكشفت المفوضية السامية لحقوق اللاجئين أن "عشرة منهم على الأقل في وضع حرج وأن شخصا توفي".

وأردفت أن "كثيرين آخرين قد يموتون... إذا لم ينقذوا في الوقت المناسب".

ولم يتضح إن كان البيان الأممي الجديد يقصد القارب المختفي أم قاربا آخر وسط ارتفاع أعداد المهاجرين من الروهينغا في الآونة الأخيرة.

دعت الأمم المتحدة، السبت، إلى إنقاذ 185 شخصا، أغلبيتهم من النساء والأطفال، يتواجدون على متن قارب مأزوم في المحيط الهندي.

كل سنة، يجازف آلاف من أفراد الروهينغا المضطهدين في ميانمار، وهم بأغلبهم مسلمون، بحياتهم في رحلات محفوفة بالمخاطر عبر البحر من بورما أو مخيمات اللاجئين في بنغلادش، في مسعى إلى الوصول إلى ماليزيا أو إندونيسيا.

وقد خاض أكثر من ألفي فرد من الروهينغا غمار هذه الرحلات نحو بلدان في جنوب شرق آسيا سنة 2022، وفق تقديرات مفوضية شؤون اللاجئين.

ومنذ العام الماضي، بات أكثر من 570 شخصا، من بينهم لاجئون من الروهينغا، في عداد القتلى أو المفقودين في البحر في المنطقة، وفق بيان المفوضية الأممية.