محمد الرشيدات


الهجمات دمّرت المنازل والمساجد والكنائس.. و90٪ نسبة المجاعة بالقطاع

80 يوماً مرت على الحرب المستعِرة، التي تشنّها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي على غزّة وحتى اللحظة، قتل بالجملة، وتهجير بالمطلق، وتدمير الأرض ومن عليها ضمن خطة إسرائيلية ممنهجة تستهدف وجود أصحاب الأرض المحتلة الأصليين من الفلسطينيين منذ ما يزيد على 75 عاماً.

حرب إبادة ما فتئت تستهدف الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين العزّل وتضيّق الخناق عليهم في محاولات إسرائيلية بائسة لسلب حقوقهم المشروعة، إلّا أنها تجد نفسها في مرمى الضمير الحي العالمي الإنساني في أغلبه، الممعن بحجم الظلم الذي يمارَسُ بحق شعبها الذي يواجه أبشع حرب تدميرية على مرّ التاريخ من حيث حصيلة الشهداء، ومساحة الخراب التي أطّرت صوره الحالكة آلةُ الحرب الإسرائيلية، وعدد من نزحوا بفعل عنجهيتها من سكّان شمال القطاع إلى جنوبه خلال أحد عشر أسبوعاً، ومع ذلك لم يسلموا.

المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أظهر إحصائيات مخيفة حول عدد من استشهدوا ومن مازالوا تحت الأنقاض في عداد المفقودين من الغزّيين، ممن وصل عددهم حتى اللحظة إلى 20674 شهيداً جلّهم من المدنيين، من بينهم 11023 طفلاً و5683 امرأةً، في حين وصل عدد المصابين إلى 54536.

بشاعة المشهد على مرأى من أعين عالم ينتابه الصمت وغض الطرف عن سياسة حرب طالت النسل والشجر، وحتى الحجر قد أنطقه هدمٌ بفعل الصواريخ الإسرائيلية التي دمرت أكثر من ثلثي الأبنية في قطاع غزة من أقصاه إلى أقصاه، باتت مدمّرة بالكامل وخالية من أرواح من بنوها بعرق الجبين بفعل الموت أو النزوح الذي شرّد جميع سكان القطاع البالغ عددهم مليونين و300 ألف غزّيٍّ، إذ بلغ عدد الوحدات السكنية التي سوّيَت بالأرض 64920 وحدة سكنية، وما يزيد على 175740 وحدة سكنية تضررت بشكل شبه كامل، إضافة إلى تدمير 304 مدارس، و1501 منشأة صناعية، إلى جانب استهداف أكثرَ من 183 مسجداً، و4 كنائس.

القطاع الصحّي في غزّة لم يسلم أيضاً من سياسة الاستهداف القمعية التي تتبنّى دمويتها إسرائيل التي دمّرت ما يزيد على 131 بين مستشفى وعيادة وسيارة إسعاف، واستهدفت أرواح أكثر من 226 طبيباً وممرضاً ومسعفاً، و 255 مصاباً، منهم آخرون لايزالون على أسرّة الشفاء.

وفي حق الناقلين للمعلومة وللأحداث الدائرة في غزّة من العاملين في مجال الصحافة، عمدت إسرائيل إلى قتل 103 صحفيين حتى الآن، والإضرارِ بـ163 مقراً صحفياً، كرسالة مباشرة من قِبَلها ألّا استثناءات تُذكر في حساب استهدافاتها العسكرية.

العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة خلّف أرقاماً صادمةً في حصيلة مَنْ أُزهقت أرواحُهم من المدنيين والتي ستُضاف إلى رصيده البربري على مرّ الزمن، فهو من يستعد لخوض المرحلة الثالثة على غزّة خلال الأسابيع القليلة القادمة، وسط توقفِ عملِ أغلب المستشفيات فيه، ومسهماً في انتشار المجاعة بنسبة 90% من سكّان غزّة المكلومين الذين تطالهم آلة الحرب أينما وُجِدوا حتى من بعدما اتخذوا من المستشفيات ومدارس الإيواء التابعة للأونروا ركناً آمناً ظنّوا أن يحميهم من الصواريخ وقنابل الدبابات ومن القناصين الذين يقتلون الصغير قبل الكبير حتى وإن كانوا رافعين للشارة البيضاء، ناهيك عن سياسة الفصل العنصري التي يتّبعها الاحتلال في التعامل مع المحتجزين في السجون، ومع مَنْ تمّ أسرهم حديثاً ليقتادهم معصوبي العينين إلى وجهات غير معلومة للتنكيل بهم وتعذيبهم وصولاً إلى تصفيتهم.

شهيق الحرب الذي لم يهدأ وزفير نَفَسِ ضحاياها من الغزّيين مازال يخرج بصعوبة بالغة، مناظر ومشاهد تقشعر لها الأبدان، وحتى كلمات فاضت بها قلوب سكان القطاع ستظل تذكرها الأذهان، خصوصاً من جوارح الذين فقدوا أقاربهم أمام أعينهم، فمنهم من عزّ عليه مفارقة روح الروح وآخر يستجدي ابنه للعودة إلى الحياة من جديد بعد أن أصبح جثة هامدة، وأخرى باتت حالتها الاجتماعية أرملة، وابنة تعرّفت على جثمان أمها من شعرها، وآخرون لا حصر لهم ستلازم مخيلاتهم ذكريات مؤلمة ومناظر سيخلّدها الزمان على مرّ عصوره القادمة إن ظل في حياة البشرية بقية.

أخيراً وليس آخِراً، في فلسطين يجتمع البرد والفقد، ومن راقب «غزّة» مات قهراً.