أسماء رجب
هناك عدة عوامل لتعزيز الارتباط باللغة العربية الأم وتوثيق الصلة بها عملياً، لأن تعلّم اللغات الأخرى ما هو إلا لتسهيل الجانب المهني ومستلزمات الحياة مما يفرضه الواقع المعاش وتطور الحياة، لا أن تكون لغات بديله للغة الأم ويتم استخدامها لليوميات والمعاملات، فحديثنا عن اللغة هو حديث عن المحمول والإرث الثقافي الذي تحمله اللغة العربية - لغة الأرض العربية، مهد الحضارات والأديان السماوية الثلاث- وعليه فإن إهمال اللغة العربية، يعني إهمال محمولها الحضاري بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى.
ومن هذه العوامل:
* تعزيز الارتباط بالتاريخ، بالرجوع إلى أعماق الماضي والتماس النور من تجاربه وقصصه وأحداثه وملابساته، وهذا يتطلب قراءة متنورة وواعية للماضي، مع ضرورة الانتباه، فالتاريخ ركام معرفي ضخم، والغوص فيه يتطلب الوعي الكامل وعدم أخذ كل ما يُكتب كمسلمات وحقائق والبناء عليها إلا بعد الإلمام بكامل حيثياتها.
* التسلّح بالمعرفة والعلم والثقافة المتنوعة بواقع مجتمعهم وقضاياه، لأن المرء إن لم يعِ قضايا مجتمعه ومشاكله وتحدياته، فلن يستطيع المساهمة في تطويره أو حل قضاياه.
* الرجوع للقيم كثوابت ومعايير، ولنا في سيرة العرب القدماء قدوة وأسوة، فتاريخ الجزيرة العربية زاخر بالشيم ومكارم الأخلاق من الكرم والوفاء بالعهد ورفع الظلم وإعانة الضعيف وإغاثة الملهوف وإجارة المستجير، فالرجوع إلى قيم الماضي من سِيَر القدماء ليس جماداً على الماضي وإنما هو بحث عن قيم الرسالات وانعكاسها في الواقع والأحداث والقصص والآثار، ومحاولة إسباغ الهمجية والجاهلية على كل تاريخ العرب ما هي إلا محاولة فاشلة للقضاء على أي موروث حضاري للمنطقة العربية لمسخ هويتها.
من المهم أن ينتبه الشباب إلى أننا حين نتحدث عن القيم فإننا نتحدث عنها وفق التعريف الصحيح المرتبط بتحقيق رسالتهم في الحياة، فإذا كان تحقيق قيمة السعادة يتم عبر تحقيق الثراء وجمع الممتلكات في عالم المادة والاستهلاك، فقيمة السعادة وفق موروثنا الحضاري هي في إدراك غاية الوجود والانطلاق في تحقيق أدوارنا في تطوير واقع الحياة وخدمة الناس، فإن الحرية وفق منظورنا الحضاري هي عمل الصواب مهما كانت الضغوط والظروف، فقد يحرمك قول الصدق من رفقاء دربك فينفضوا من حولك، وقد تشعر بأنك أصبحت أقل حظوظاً بسبب مبدأ أخلاقي أو قيمة مارستها.. ولكنك رغم ذلك فأنت ثابت على قيمك ومبادئك، ففي التاريخ أبطال كثر ممن حافظوا على قيمهم، فلم تسمح لهم الظروف والمحن بالتنازل عنها ولو قيد أنملة، فهؤلاء هم أبطال التاريخ والأحرار حقاً!
* محاسبة الذات وتقويمها ثمن لابد من دفعه للباحث عن الهوية، عمره فيما يصرفه؟ طاقته فيما يهدرها؟ أولوياته كيف يضعها؟ كل هذه الأسئلة لابد أن يتم إخضاعها للتحليل والتقييم، فإذا كنت تدرس الطب لا تكن ذاك الذي يحمل شارة الطبيب ويُضاف الحرف (د) لاسمك بديلاً عن هدف خدمة الناس ورفع معاناتهم والتخفيف من آلامهم، فأنت حتماً فقدت الصلة بهويتك الحقيقية، وتحتاج بالتأكيد إلى إعادة رسم أهدافك على أساس المسؤولية لمن حولك.