الحرة

عاد بعض سكان شمالي قطاع غزة إلى منازلهم، ليجدوها أنقاضا لا يمكن العيش فيها، لكنهم أكدوا أنهم سيبقون ولن يغادروا القطاع، في ظل دعوات من وزراء بالحكومة الإسرائيلية لتشجيع الغزيين على الهجرة وإعادة المستوطنين إلى القطاع.

حينما غادر طارق وأسرته المكونة من 8 أفراد مدينة جباليا شمالي القطاع في نوفمبر، كانت عبارة عن منطقة حرب بسبب الضربات الإسرائيلية، وحينما عادوا، الأحد، لم يتمكنوا من تحديد منزلهم.

وقال الفلسطيني الذي رفض ذكر اسمه كاملا لمخاوف أمنية، لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية: "ما تبقى هو نصف منزل. أنقاض يمكننا العيش عليها".

يذكر أن إسرائيل بدأت في وضع خطط للمرحلة التالية من الحرب في غزة، حيث لن تعود حماس للسيطرة على القطاع وستحتفظ إسرائيل بالحرية في تنفيذ عمليات عسكرية، بحسب ما كشفه وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، الخميس.

ويأتي الإعلان في وقت تواصل فيه إسرائيل تقليص عدد قواتها في غزة للسماح للآلاف من جنود الاحتياط بالعودة إلى وظائفهم، بعد تزايد الضغوط الدولية للتحول إلى عمليات قتالية أقل شدة.



وبدأت إسرائيل حملتها العسكرية على قطاع غزة، في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر الذي شنته حماس على بلدات غلاف غزة، الذي أسفر عن مقتل 1200 شخص، معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، واحتجاز نحو 240 رهينة.

وتقول السلطات الصحية في غزة، إن الهجوم الإسرائيلي أدى إلى إستشهاد أكثر من 22 ألف شخص، وأجبر أغلب السكان على ترك من منازلهم، وحوّل مناطق كبيرة من القطاع إلى أنقاض.

"نفضّل الموت على المغادرة"

كان طارق أحد أوائل النازحين الذين عادوا إلى منازلهم في غزة هذا الأسبوع، بعد انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية من شمالي القطاع، بحسب الصحيفة.

وحين وصلوا إلى مناطقهم، وجدوا مبان وطرقا مدمرة وأكوام من الأنقاض، كما كانت هناك جثث متحللة لم تُدفن، وفق واشنطن بوست.

لكن رغم الدمار والحرب المستمرة، والمخاوف من المستقبل المجهول في القطاع بعد الحرب، قال طارق كحال غيره من السكان الذين يغامرون بحياتهم بعودتهم إلى منازلهم، إنه "لن يغادر أبدا".

وصرح طارق: "نفضّل أن نموت ونُدفن تحت تراب غزة، على الخروج والعيش في أي بلد آخر".

وخلال رحلة العودة إلى شمالي القطاع، شاهدت عائلة طارق عددا أقل من الدبابات، في ظل أصوات إطلاق نار ومدفعية أقل كثافة، لكن منطقتهم كانت في حالة خراب.

وأوضح طارق: "الشوارع والمدارس والبنية التحتية تم تدميرها بالكامل".



وكان وزير الدفاع الإسرائيلي، قد أشار خلال تصريحاته، الخميس، إلى أن القوات الإسرائيلية في المنطقة الشمالية من قطاع غزة "ستتحول إلى نهج قتالي جديد بما يتماشى مع الإنجازات العسكرية على الأرض"، مشيرا إلى أن إسرائيل "ستنتقل للمرحلة الثالثة من القتال" من خلال القضاء على "النقاط الساخنة المتبقية للإرهاب" في القطاع، بحسب تقرير نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

وقال غالانت إن العمليات ستشمل "مداهمات وهدم أنفاق وضربات جوية وبرية وعمليات للقوات الخاصة".

"دماء وأصفاد"

ذكر تقرير "واشنطن بوست" أن التقارير عن الهدوء النسبي في الشمال، دفع مؤمن الحرثاني (29 عاما)، إلى العودة مع عائلته إلى جباليا أيضًا، الأحد.

لكنه عاد ليرى منزله المكون من 5 طوابق مدمرا بالكامل، وقال: "لم أتمكن من إزالة قطعة ركام واحدة".

وخلال جولته في الحي الذي عاش فيه، عثر على صناديق ذخيرة فارغة وأصفاد بلاستيكية، مشيرا إلى أن بعض جدران المنازل كانت ملطخة بالدماء، وأخرى كُتبت عليها كلمات بالعبرية.

لكنه أكد أيضًا أنه مصمم على البقاء وعدم الرحيل من غزة، وقال للصحيفة الأميركية: "كيف تعتقدون أنني سأغادر غزة؟ كل ما أطلبه هو انتهاء الحرب والعيش على أنقاض منزلي".

دعوات الهجرة

هذا التأكيد على البقاء من جانب أسر شاهدت منازلها مدمرة تماما، تأتي في ظل عدم وضوح بشأن مستقبل أكثر من 2.1 مليون نسمة، هم سكان قطاع غزة.

وكانت مقترحات من مسؤولين إسرائيليين قد لاقت انتقادات دولية وإقليمية قوية، طالبت بتشجيع سكان غزة على الهجرة، وعودة المستوطنات الإسرائيلية إلى القطاع.

جاءت التصريحات على لسان وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير.

وفي دعم واضح ومضاعف لما وصفه بـ "التهجير الطوعي" لسكان غزة إلى دول أخرى، قال سموتريتش، الأربعاء، إن "أكثر من 70 بالمئة من العامة بإسرائيل يدعمون مثل هذا الحل الإنساني"، لكنه لم يدعم تلك الإحصائية بأي مصدر موثوق، بحسب ما ذكرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

ورأى سموتريتش أن إعادة الاستيطان في القطاع يعد أمرا "ضروريا"، لأن "دولة صغيرة كدولتنا لا يمكنها أن تتحمل تكاليف واقع حيث يقبع على بعد 4 دقائق من مجتمعاتنا نقطة ساخنة للكراهية والإرهاب، حيث يستيقظ مليونا شخص كل صباح بتطلع نحو تدمير دولة إسرائيل وبرغبة بذبح اليهود واغتصابهم وقتلهم حيثما كانوا".

ووجهت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، انتقادا لاذعا للوزير الإسرائيلي، على لسان المتحدث باسمها، ماثيو ميلر، الذي وصف تصريحات سموتريتش بأنها "تحريضية" و"عديمة المسؤولية".

ورد بن غفير على واشنطن بعد وقت قصير من انتقاداتها سموتريتش، قائلا في تغريدة، إن "هجرة مئات الآلاف من غزة ستسمح لسكان غلاف غزة بالعودة إلى ديارهم والعيش في أمان، وستحمي جنود الجيش الإسرائيلي".

وأكد: "أنا معجب حقا بالولايات المتحدة الأميركية، لكن مع كل الاحترام الواجب، نحن لسنا نجما آخر في العلم الأميركي".

ونددت السعودية وقطر والكويت والإمارات، الخميس، "بأشد العبارات" بتصريحات وزيري الأمن القومي والمالية الإسرائيليين.