كل إنسان في الدنيا له صفات مميزة وعلامات فارقة تميزه عن الآخرين.. والإنسان الناجح هو الذي يستطيع أن يستثمر هذه الميزات والفوارق التي بها ينجح ويتخطى الآخرين.
والإنسان في كل زمان ومكان تعلو هامتُه وهمته بأخلاقه ومواهبه وليس بماله أو جماله.. وكثيرون أؤلئك الذين خلدهم التاريخ، ولم تكن أشكالهم على ما يرام، فالصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان دقيق الساقين، وذات يوم كان يجتني سواكاً من الأراك، فجعلت الريح تكفؤه لضعف بنيته، فضحك القوم منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِمَّ تضحكون؟»، فقالوا يا نبيَّ الله من دقة ساقيه. فقال عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من جبل أحد».. وكذلك لاعب برشلونة «ميسي» فمعروف عنه أنه قصير القامة، لكنه أصبح أغلى لاعب في العالم، والمذيعة الأمريكية المتألقة «أوبرا» ليست جميلة ولا جذابة، لكنها أصبحت أشهر مذيعة في العالم.
فاجعل من اختلافك سر نجاحك، فالقمر مظلم لكنه يضيء العالم كله، والماء عديم اللون والطعم والرائحة، لكن لا أحد من البشر والشجر والحيوان والطير يستغني عن شربه.. فلتكن لك شخصيتك المتميزة، وإذا سقطت على الأرض فقم وانهض من جديد واستأنف المسير.. كن مؤمناً أن اختلافك عن الآخرين هو سر نجاحك.. يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة الروم: «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين».
فاختلاف الألسنة والألوان والأشكال آية من آيات الله سبحانه وتعالى كما توضح الآية الكريمة، وهذه الاختلافات في البيئات المختلفة تولد آراء وأفكاراً متنوعة تتناسب مع كل بيئة، لكن على الإنسان أن يبحث عن الأفكار التي تلائم محيطه وألا يستورد الأفكار الجاهزة والمسلوقة والتي قد تكون موبوءة ولا تناسب المجتمع الذي يعيش فيه.
والناس مهما اختلفت ألوانهم وأشكالهم فهم مولودون من أب واحد هو آدم عليه السلام.. يقول الحق سبحانه وتعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً».. وهم مخلوقون من رب واحد فمبدؤهم منه خلقاً ونهايتهم إليه بعثاً وحساباً.
فالاختلاف سنة الله في الكون.. تقول بعض الروايات إن الله سبحانه وتعالى عندما خلق آدم عليه السلام نفخ فيه من روحه، وقبض قبضة من جميع أنحاء الأرض، فجاء البشر من نسله مختلفين في أشكالهم وألوانهم وطبائعهم وذلك لحكمة عظيمة.
ويذكر بعض أهل العلم أنَّ سبب خلق الله الناس مختلفين هو مناسبتهم للأصل الذي خُلقوا منه وهو من جميع أنواع تراب الأرض ليجعل بين الناس اختلافاً في الطبائع. جاء في الحديث الصحيح عن أبي موسى الأشعرِي رضي الله عنه أنَّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم قال: «إن الله تعالى خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر والأسود والأبيض والأصفر وبين ذلك، والسهل والحَزن والخبيث والطيب»، فقد أشار الحديث صراحة إلى اختلاف الناس في ألوانهم وصفاتهم الخَلقية والخُلقية، ويدلّ ذلك على عظمة قدرة الله سبحانه وتعالى وتفرّده بالخلق ووحدانيته في خلق الكون.
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله عن اختلاف أشكال الناس وألوانهم: «قد أوضح تعالى أنَّ اختلاف ألوان الآدميين واختلاف ألوان الجبال والثمار والدَّواب والأنعام كلّ ذلك من آياته الدالة على كمال قدرته واستحقاقه للعبادة وحده واختلاف الأَلوان المذكورة من غرائب صنعه تعالى وعجائبه.. ومن البراهين القاطعة على أنّه هو المؤَثِّر وأنَّ إِسناد التأثير للطبيعة من أعظم الكفر والضلال».
أمّا ما يجب على المؤمن لقاء هذا الاختلاف والتنوع بين البشر فَأنْ يُسلِم لله سبحانه تعالى ويفرده بالعبادة فهو الذي خلق الناس على هذا الاختلاف لحكمة وتدبير أراده في خلقه، فما ظهر لنا من أنّ الناس متنوعون في الطبائع والصفات نؤمنُ به، وما خفي علينا ندعُ التفصيل فيه إيماناً وتسليماً ويقيناً بحكمِة الله سبحانه وتعالى.