أكتب هذه السطور وأنا أجلس مستمتعاً في إحدى زوايا ساحة حلبة البحرين الدولية حيث ضجيج محركات السيارات يملأ المكان تماماً كما تملؤه الوجوه المبتسمة القادمة من كل دول العالم والألوان والشعارات وأصوات الموسيقى والفعاليات المختلفة التي تنتشر في المكان، إنه اليوم الثاني (حينها) وغداً يسدل الستار على السباق الأهم، وكما كنا نتوقع فإن الإثارة أصبحت رديفاً لسباق لؤلؤة الصحراء، هذا ما يقوله عشاق هذه الرياضة ومن يعرف أسرارها، إذ أعترف أنني لا أفهم فيها الكثير بل ولعلني لا أجدها حتى ممتعة مقارنة بكرة القدم مثلاً حيث تفصلنا ساعات عن الكلاسيكو، الأمر الذي انعكس حتى على مرتادي الحلبة، فإلى جانب قمصان الفيراري والماكلارين والريد بول كان واضحاً أن الكثيرين أرادوا أن يعيشوا أجواء الكلاسيكو فارتدى العديد منهم قمصان الريال والبرسا. كانت هذه هي الأجواء داخل الحلبة، لكن الأخبار التي تنقلها لنا مواقع التفاعل الاجتماعي عن تجمعات غير مرخصة هنا وهناك يتحول أغلبها لمواجهات وتخريب تنغص علينا هذه الأجواء، بل وتدفع الكثير من زوار البحرين للتساؤل!! ولقد سمعنا هذه الأسئلة من أفراد عدة التقينا بهم داخل الحلبة وخارجها من أجانب يعرفون البحرين وآخرين يدخلونها لأول مرة (ما الذي يحدث في البحرين.. بلدكم جميل وشعبكم يبدو طيباً ودوداً؟!) أحاول دائماً البحث عن ردود مباشرة وبسيطة لا تفتح أبواباً لأسئلة أخرى قد يصعب إيصال إيجابيتها لمن لا يعرف حقيقة وتعقيد الأوضاع المحلية وارتباطاتها الاقليمية فأقول “نعم هناك مشكلة في البحرين بين الدولة وبعض الجهات الراديكالية والمعارضة المتطرفة، لكن كما رأيتم شعب البحرين في غالبه ودوداً مضيافاً وهو يحب قيادته وأرضه كما إن لديه بعض المطالب الإصلاحية والدولة تنظر لها بجدية”. هكذا دائماً تكون الإجابة، ومن تجارب سابقة أجد تفهماً لذلك بل ولعل التعليق الصادر منهم غالباً أن الإعلام يضخم الأمور ويركز على الأحداث السلبية، هذه المرة أعقب متسائلاً: هل استمعتم لتصريحات ولي عهد البحرين، وللحقيقة تفاجئني مدى شعبية سمو ولي العهد لدى محبي هذه الرياضة فهم ينظرون إليه بأنه رجل يتمتع بكارزمة ومصداقية كبيرة، ولعل تصريحاته الأخيرة داخل الحلبة كان لها صدى كبير إذ قال (بالنسبة لهؤلاء الذين يحاولون إخراج البلاد من هذه المشكلة السياسية فإن إقامة السباق ستسمح لنا بإقامة الجسور بين مختلف فئات المجتمع وإعادة الناس للعمل سوياً وهو أمر سيسمح لنا بتعزيز صورة بلادنا)، كما تحدث سموه عن أن مثل هذه المسيرات تحدث في مختلف دول العالم وأن هناك شواهد عديدة لذلك رافقت أحداثاً عالمية حيث علق على سؤال عن وجود بعض المسيرات الرافضة للسباق فقال (إن المسيرة التي نظمت اليوم جزء من العملية السياسية في أي بلد، لماذا يجب أن نكون نحن مختلفين، مؤكداً أن ما نصبو إليه هو أن نوظف كل حدث إيجابي بما يخدم مصلحة شعبنا ولا نخجل من ذلك)، وأجد شخصياً أن هذه التعليقات لقيت صدى إيجابياً وتناقلتها مختلف وسائل الإعلام، إنها تقول باختصار أن هناك مشكلة في البحرين ونحن نسعى لحلها ضمن إطر حرية الرأي والتعبير والديمقراطية وهي جزء من العملية السياسية ولا يجب أن نخجل من ذلك. بصراحة وأنا أستمع لتلك التصريحات تمنيت لو أن مختلف الأطراف في البحرين تعيها وتعمل بها خاصة المتعصبين والراديكاليين، وأكثر من يوجه لهم ذلك هم جماعات التأزيم في المعارضة والتي تريد من الجميع أن يستمع لصوتها ويأخذ بمطالبها ورأيها، وهي تقمع كل رأي مخالف حتى ولو كان من داخلها كما حدث لعضوها الدكتور جاسم حسين حين صرح “الناس مسرورة بعودة الفورمولا 1 إلى البحرين مرة أخرى، إذ إنه حدث رياضي واقتصادي وليس سياسياً” فقامت عليه الدنيا فتبرأت من ذلك الوفاق رسمياً وتفرغ له أتباعها سباً وتخويناً وتطاولاً وهو أمر يتعرض له كل المخالفين لهم في المعارضة وخارجها، حيث جند جمع من المطالبين بالحرية والديمقراطية أنفسهم لقمع كل رأي مخالف وشتمه وتخوينه والتطاول عليه وعلى أهله وناسه بكل ما تجود به مصطلحاتهم!! “وهو أمر يبدو مع الأسف أصبح ثقافة منتشرة لدى المتعصبين من كل الأطراف”. إن ذلك يجعلنا نتساءل عن أي حرية رأي وديمقراطية يتحدث هؤلاء وهم لا يقدرون على تقبل مجرد رأي بسيط في مسألة عابرة يخالف رأيهم، فماذا لو حدث ذلك في أمور مصيرية تحتاج إلى تشريعات وقوانين كيف سيتم التعامل مع ذلك من خلال فهمهم للحرية والديمقراطية؟! أم أنها ديمقراطية انتقائية وحرية بويهين؟! ^ شريط إخباري.. أعتقد شخصياً أن أحد أهم التحديات التي ستواجه هذا الوطن في مراحل قادمة هي التعامل مع المتعصبين في كل الأطراف، وهنا لا أساوي بين من بدأ الفعل ومن صدرت عنه ردات الفعل، لكنني أتحدث عن ظاهرة التعصب التي انتشرت في البلاد والتي تسببت بها قوى التأزيم ونفخت فيها أطراف عدة، ولا يعلم إلا الله متى وكيف ومن سيطفئها.. وهل ستنطفئ؟!