هبة محسن

من السهل أن نرى سبب التفكير في عمليات الاندماج بين البنوك في منطقة الخليج في الوقت الحالي، فمع تقلبات أسعار النفط، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وانخفاض الإنفاق الحكومي، وضغوط السيولة وانخفاض أسعار الفائدة التي تؤثر على الأرباح، تبحث البنوك عن طرق لخفض التكاليف وتحسين أوضاعها في الأسواق. وتشكل عمليات الاندماج المحلية، التي تولد عادة قدراً كبيراً من التآزر التشغيلي، إحدى الطرق للقيام بذلك.

هناك الكثير من الدوافع الاقتصادية لعمليات الاندماج المصرفية، منها على سبيل المثال وليس الحصر الوصول إلى التكنولوجيات والتقنيات الجديدة، واستقطاب عملاء جدد، والتوسع في مناطق جغرافية جديدة، وإيجاد مصادر تمويل أرخص، والاستفادة من الأصول غير المفعلة، وامتلاك قدرة تفاوضية أعلى، وتحقيق التآزر التشغيلي.

وللتعرف على الفوائد التي تنتج عن عمليات الاندماج بين البنوك والمؤسسات المصرفية، استقصت "الوطن" آراء مجموعة من الخبراء الاقتصاديين والمصرفيين البارزين على الساحتين المحلية والدولية، الذين أجمعوا على أن اندماج الشركات والكيانات الاقتصادية بشكل عام، والمصرفية على وجه الخصوص، يعود بجملة من المنافع الاقتصادية الكبيرة، التي يمكن إيجاز بعضها في النقاط الآتية:

• تخفيف تكاليف الإنتاج والخدمات.

• زيادة القدرات المالية والكفاءة.

• تحسين نوعية الإنتاج والخدمات المقدمة.

• زيادة القدرات التنافسية.

• القدرة على الحصول على التمويل من المؤسسات المصرفية العالمية بشروط مواتية.

• يعتبر الاندماج الحل المثالي للشركات المتعثرة والمهددة بالإفلاس.

فعلى الصعيد المحلي حرصت مملكة البحرين على جعل السوق مفتوحاً للاستثمارات، وخاصة في قطاع المصارف، والدليل على ذلك وجود نحو 30 بنكاً تجارياً في البحرين، ولكن معظم هذه البنوك تعود إلى فروع لبنوك أجنبية، إذ إن عدد البنوك التجارية المحلية يبلغ 10 بنوك، وهذا يعد كبيراً مقارنة بالدول المجاورة.

وقد عجلت معدلات معايير كفاية رأس المال "بازل 3" التي تم تطبيقها مطلع عام 2015 على البنوك البحرينية، التوجه نحو الاندماج لتقوية قدرتها التنافسية والتخلص من أعباء الديون والتكاليف التشغيلية؛ لتكتمل 5 صفقات عملية اندماج لـ10 مصارف بحرينية خلال 5 سنوات.

وبدأت أولى بوادر اندماج البنوك البحرينية في منتصف عام 2009 بعد الموافقة على دمج البنك البحريني السعودي ومصرف السلام، واندماج المصرف الشامل مع بنك الإثمار في نهاية العام نفسه، وإتمام عملية اندماج 3 بنوك إسلامية في البحرين: "كابيفست" و"بنك إيلاف" و"بيت إدارة المال"، تحت كيان بنك "إبدار"، واندماج بنك الإجارة مع بنك الإثمار مطلع فبراير 2013، واندماج "بي إم آي بنك" مع مصرف السلام بنهاية عام 2014.

كما شهد القطاع المصرفي في منطقة الخليج موجة اندماجات واستحواذات خلال السنوات الأخيرة زادت قيمتها عن تريليون دولار منذ عام 2017، والتجارب السابقة في عمليات الاندماج بين الكيانات المصرفية الصغيرة كانت نتائجها خلق قوى اقتصادية تنعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد العام، إذ تخلق الاستحواذات والاندماجات كيانات جديدة وضخمة، تمكن البنوك من المنافسة في البيئة التشغيلية الصعبة.

تعزيز القدرة على جمع الودائع

ووفق ما قالته فرانشيسكا باولينا المحللة لدى "موديز" في تقرير، فإن الاندماج سيخلق بنوكاً لديها "قوة تسعير"، ما يعزز قدرتها على جمع الودائع ويزيد صافي دخل الفائدة بقوائمها المالية، كما "ستساعد عمليات الاندماج والاستحواذ أيضاً على تعويض نفقات التشغيل المتزايدة وتعزيز مستويات كفاءة التكلفة الجيدة بالفعل"، وبحسب باولينا غالباً ما تتركز ملكية البنوك الخليجية بين الكيانات والمجموعات المرتبطة بالدولة، وهذا يمكن أن يسهل عمليات الدمج بهدف زيادة الربحية وتقوية الأساسيات المالية.

كما أن عمليات الاندماج والاستحواذ ستعزز تغلغل الخدمات المصرفية الإسلامية في القطاع، إذ "تتوسع الحصة السوقية للتمويل الإسلامي بسرعة في كل أنحاء المنطقة استجابة لطلب العملاء المرتفع واللوائح الداعمة"، وفق "موديز".

الاستثمار في القطاع المصرفي المحلي

وفي هذا السياق أكد الخبير المصرفي، رئيس مجلس إدارة بورصة البحرين والرئيس التنفيذي السابق لبنك البحرين والكويت عبدالكريم بوجيري أن الاندماج بين البنوك على مستوى منطقة الخليج لم يسجل أي خسائر حتى الآن، وخطوة الاندماج في البحرين جاءت متأخرة بعض الوقت عن الدول الأخرى.

وأوضح بوجيري في حديثه لـ"الوطن" أن اندماج البنوك بشكل عام يفتح قنوات استثمارية أكبر، كما يحافظ على الاستثمار في القطاع المصرفي المحلي، ويسهم في رسم استراتيجية جديدة تتناسب أكثر مع المعطيات والمتطلبات الحديثة، والتوسّع والدخول في أسواق جديدة.

تخفيض الكلفة التشغيلية

وقال بوجيري: "إن عملية اندماج البنوك تساهم في تخفيض الكلفة التشغيلية، وتعزز الربحية وتعزز مكانة ومتانة الكيان الجديد على مستويين إقليمي وعالمي، حيث تحتاج المنطقة كيانات مصرفية عملاقة ذات قوة مالية وتشغيلية متينة.

وأوضح أن البحرين لا تمتلك بنوكاً عملاقة للمساعدة في الاقتصاد الوطني، لذلك نحتاج إلى الاندماجات بين هذه الكيانات، وبشكل مكثف في الفترة المقبلة.

وعن تخوف البعض من أن ينتج عن الاندماجات تسريح للعاملين في أحد البنوك المندمجة، أكد بوجيري أن تشريعات مصرف البحرين المركزي حازمة وتضمن حقوق العاملين، بل على عكس ما يفترضه البعض فإن الاندماجات تخلق فرص عمل على مستوى كبير في القطاع المصرفي.

وبين أن الاندماج يعزز من الاستحواذ على حصص سوقية أعلى وترتفع من 20 و25% إلى أكثر من 50%، كما أن الأرباح ستزيد على المدى المتوسط مع الانخفاض في التكاليف.

ورأى رئيس جمعية مصارف البحرين رئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً عدنان يوسف أن اندماج البنوك يعد أحد محركات النمو، قائلاً "منذ نحو خمسة عشر عاماً، وتحديداً بُعيد الأزمة العالمية 2008 وأنا أكتب بين الفترة والأخرى مقالات حول أهمية الاندماجات المصرفية بكونها أحد الدروس التي عززت الأزمة من ضرورة الاستفادة منها، حيث تركز حديثنا آنذاك على عدد من نقاط الضعف التي سجلتها البنوك التي شهدت انهيارات أو خسائر فادحة، مثل ضعف رؤوس الأموال وشح السيولة والمديونية المفرطة كأسباب مباشرة لدراسة موضوع الاندماجات".

التحول التكنولوجي والرقمي

وأضاف: "كما أنه على مدار السنوات الماضية تعززت البيئة الدافعة للاندماجات من خلال توالي صدور تشريعات "بازل 3" التي فرضت على البنوك العديد من المتطلبات المتعلقة بملاءة رأس المال والسيولة وإدارة المخاطر التشغيلية، وصولاً إلى تطبيق المعيار المحاسبي الدولي (9)، وهي جميعها متطلبات تفرض تقوية رؤوس أموال البنوك سواء من خلال الإصدارات الرأسمالية الجديدة أو الاندماجات. إلى جانب ذلك تسارعت خطوات التحول التكنولوجي والرقمي وبات يمثل عنواناً عريضاً لمستقبل الخدمات المصرفية حول العالم، وهو بدوره يتطلب استثمارات ضخمة جداً في الأنظمة والبشر والتقنيات والابتكارات وغيرها، الأمر الذي يدفع البنوك الصغيرة وحتى الكبيرة للتفكير في موضوع الاندماجات".

مرحلة النضوج

ولفت يوسف إلى أنه اليوم بمناسبة الحديث عن توجه بنك البحرين الوطني وبنك البحرين والكويت للاندماج بينهما، وكذلك بعد أن شهدنا عدداً من عمليات الاندماج والاستحواذ في السوق المحلي خلال السنوات الأخيرة، كلها شواهد تؤكد حيوية السوق المصرفي البحريني وبلوغه مرحلة النضوج، ومن ثم البحث عن إعادة تموضع لضمان موصلة النمو والتوسع في ظل سوق تنافسي مفتوح محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً، مع العلم أن البحرين هي من أوائل الدول التي شهدت علميات اندماج مصرفي، وجاءت إجراءات تعزيز البيئة التنظيمية والمالية للاندماج والتي اتخذها مصرف البحرين المركزي كمحفز لهذه العمليات.

استقطاب الاستثمارات الأجنبية

وفي ظل عمليات الإصلاح الاقتصادي والمالي الواسعة التي تشهدها المملكة، يمكن القول إن عمليات الاندماج والاستحواذ باتت تمثل محركاً للنمو الاقتصادي سواء على صعيد البنوك المندمجة أو على الصعيد الاقتصادي ككل، فجميعنا يدرك أن الإصلاحات الراهنة تقوم على توسيع دور القطاع الخاص وتشجيع استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وتحفيز نمو قطاعات وأنشطة اقتصادية جديدة في مجالات الابتكار وريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة. جميع هذه التوجهات الاقتصادية تفرض قيام كيانات مالية وتجارية وصناعية ضخمة تقود عمليات التحول هذه في مختلف القطاعات.

كما أن المصارف الخليجية دخلت مرحلة الاستحواذات والاندماجات بقوة خلال السنوات الماضية، وذلك بغرض تعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية وزيادة الإنفاق في التحول التكنولوجي وخفض التكلفة وتقليل المخاطر المالية والتجارية، والوصول إلى أسواق جديدة. كما تعكس هذه العمليات الحجم الحقيقي للاقتصادات الخليجية التي أصبحت بعض شركاتها بأحجام عالمية، ولذلك يتوقع أن تشهد دول المنطقة مزيداً من صفقات الدمج والاستحواذ لتشمل قطاعات أخرى مثل الصناعة والزراعة والخدمات العامة.

وتحفز عمليات الاندماج والاستحواذ المصرفية في ظل هذه التحولات عوامل كثيرة على سبيل المثال خلق تكامل في نقاط القوة والتخلص من نقاط الضعف في الكيانات المصرفية المندمجة، وتعزيز قدرتها على تمويل مشاريع التنمية الكبيرة والتوسع في الخدمات المصرفية الرقمية، كذلك قدرتها على التوسع في تمويل المشاريع الخضراء والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. أما بخصوص الموظفين فهناك باستمرار تعليمات من الجهات الحكومية والرقابية التي تشدد على استمرار هؤلاء الموظفين في وظائفهم وعدم تقليص عددهم.

30 بنكاً تجارياً في البحرين

وعلاوة على العوامل المذكورة أعلاه، تبرز أهمية عوامل أخرى تقف وراء اندماج البنوك مثل عوامل الربحية، والسوق، والمنافسة، والتكنولوجيا؛ ففي حين يظل القطاع المصرفي الخليجي في حالة صحية بصورة عامة، فإنه دون شك هناك ضغوطات على هامش الربحية تفرض على البنوك التحول إلى كيانات كبيرة قادرة على المنافسة. كما أن وجود أكثر من 100 بنك تجاري في دول الخليج تلبي احتياجات سكان يبلغ عددهم 55 مليون نسمة بالمنطقة يعتبر عدداً كبيراً جداً بالمقارنة مع حجم السكان. أما عنصر التكنولوجيا، فكما ذكرنا سابقاً، تواجه البنوك في الوقت الحالي العديد من الاضطرابات الرقمية التي تفرض عليها توظيف استثمارات ضخمة قد لا تستطيع توفيرها إلا من خلال الاندماج.

ومن جانبها، قالت رئيسة نقابة المصرفيين البحرينية نورا الفيحاني إن عدد البنوك في مملكة البحرين يبلغ 80 بنكاً بينها 30 بنكاً تجارياً، وهو عدد كبير جداً مقارنة بحجم السوق البحريني، وهو ما يجعل من بعض هذه البنوك كيانات مصرفية محدودة رأس المال والأصول، الأمر الذي جعل من الاندماج حلاً أمثل أمام بعض هذه البنوك لتصبح قادرة على الوصول إلى أسواق أكبر من الأسواق المحلية ومشاريع كبرى تضخ سيولة مالية كبيرة كمشروعات الطاقة والبنية التحتية.

تنويع مصادر الدخل

وأضافت الفيحاني: "تعتبر الاندماجات والاستحواذات فرصة للبنوك لتعزيز قوتها وتعزيز مكانتها في السوق المصرفية، حيث يمكن للبنوك توسيع قاعدة عملائها ومنتجاتها المصرفية، كما يمكن أن يسهم الاندماج في تحسين الكفاءة التشغيلية وتقليل التكاليف الإدارية، ما يعزز التنافسية ويسمح للبنوك بتقديم خدمات متنوعة ومبتكرة للعملاء.

وبيّنت أنه في المقابل تسمح هذه الاندماجات للبنوك بتعزيز القدرة على مواجهة التحديات الاقتصادية، حيث تواجه البنوك في البحرين والخليج العربي تحديات اقتصادية مثل تقلبات أسعار النفط وتباطؤ النمو الاقتصادي، ومن خلال الاندماجات يمكن للبنوك تعزيز رأس المال وتعزيز قدرتها على التعامل مع التحديات الاقتصادية. كما يمكن للاندماج أن يساعد في تنويع مصادر الدخل وتقليل التعرض للمخاطر الاقتصادية.

وذكرت أن الاندماجات تسمح للبنوك بتعزيز قدرتها على الابتكار واستخدام التكنولوجيا في الخدمات المصرفية، عن طريق الجمع بين الموارد والخبرات، ويمكن للبنوك تحقيق تقدم تكنولوجي وتحسين تجربة العملاء من خلال تقديم خدمات مصرفية رقمية متطورة ومبتكرة.

ومن خلال الاندماجات يمكن للبنوك البحرينية والخليجية توسيع نطاق عملياتها وتواجد البنك في مناطق جديدة من خلال الاندماج مع بنوك أخرى في دول مجاورة أو في أسواق عالمية، ما يسمح لها بتحقيق التوسع الجغرافي والوصول إلى عملاء وفرص جديدة.

محفظة أكثر توازناً

وبيّن الخبير المصرفي فريد الملا: "إننا نحتاج في عمليات الاندماج والاستحواذ إلى خطة مدروسة ومحكمة للمدى البعيد وخبراء في عملية الاندماج، حتى يكون لها الأثر الإيجابي المطلوب، معتبراً أن التقارير المالية لعمليات الاندماجات السابقة هي التي تحدد نجاح العملية أو فشلها".

ولفت الملا إلى أن الآثار السلبية لعملية الدمج بين المصارف ستؤثر بالسلب على البنوك الصغيرة والمستفيدين من الخدمات المصرفية من الأفراد والشركات، مع احتمال لوجود تكرار لبعض الوظائف في بعض الأنشطة، وإلغاء أو دمج لبعض الفروع التي تقع في محيط واحد، مما يعني ضرورة الاستغناء عن بعض الموظفين، فضلاً عن صعوبة استيعاب أي توجهات للتوسع المستقبلي من الداخل من غير تعويض المستقيلين والمتقاعدين مع محدودية التوظيف الجديد، إلا في استقطاب ذوي الكفاءات العالية.

وقال الملا: "أنا حذر، وليس ضد موضوع الاندماجات للبنوك، لأننا لا نغفل الإيجابيات الكبيرة لعمليات الدمج من زيادة حجم رأسمال وأصول البنك الجديد وإمكانية تمويل المشروعات، والاستثمار في التقنية المتقدمة، واستقطاب الكفاءات المتميزة، وتعزيز قدراته التنافسية وتحقيق التكامل في الأنشطة المصرفية، وتكوين محفظة أكثر توازناً قطاعياً، والتوسع إقليمياً في المدى المنظور"، مشيراً إلى أن العالم خلال العشرين عاماً المقبلة سيتغير بالكامل للاقتصاد الرقمي وهذا هو التحدي الحقيقي.

الاهتمام بالمنافسة

ورأى بييترو كاليس، وهو أحد كبار المتخصصين في قطاع التمويل في البنك الدولي، أن الأسواق المصرفية الخليجية دخلت مرحلة مهمة من عمليات الدمج، مع احتمال إعادة تشكيل دور هذه الصناعة وقدرتها على تنفيذ أعمال الوساطة على نحو كبير.

وقال في مقال نشره بمدونة "أصوات عربية" التابعة للبنك الدولي إنه في سياق يتسم بتفتت الأسواق على نحو متزايد، فقد تساعد عمليات الدمج على تحقيق مكاسب على صعيد الكفاءة وتحافظ في نهاية الأمر على الاستقرار المالي.

وشدد كاليس في المقال الذي حمل عنوان: "دمج البنوك في دول مجلس التعاون الخليجي يتطلب الاهتمام بالمنافسة"، على أهمية ألا تأتي عمليات الدمج المصرفي في الخليج على حساب المنافسة، مشيراً إلى أن التجارب الدولية تظهر أن المنافسة المصرفية السليمة تعزز بشكل عام القدرة على الحصول على التمويل وتحسن مستوى كفاءة الوساطة المالية دون تراجع استقرار النظام المصرفي.

هل يستعد القطاع المصرفي الخليجي لموجة جديدة من الاندماجات؟

وعن هذا الموضوع، قال الرئيس العالمي للتمويل الإسلامي في وكالة "ستاندرد آند بورز" محمد داماك: "يمكن أن يساعد الدمج على إنشاء عدد أقل من البنوك، لكن أقوى، ولديها قدرة أكبر على تمويل الاقتصاد، وبالنسبة للبنوك نفسها، يمكن إنشاء بنوك أكثر كفاءة وأكثر تطوراً، ويمكنها توفير حلول تمويل متطورة للاقتصادات".

وأضاف داماك في تصريحات نشرتها مجلة "The Banker" البريطانية الشهرية، والتابعة لمؤسسة فاينانشيال تايمز، أن هناك شعوراً بأن منطقة دول مجلس التعاون الخليجي تعاني من فائض في البنوك، وتمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص ما يقدر بنحو 50 مؤسسة مالية تخدم سكانها البالغ عددهم 9 ملايين نسمة فقط.

وأضاف: "الإمارات العربية المتحدة بلد يكون فيه توحيد البنوك أمراً منطقياً. بينما بالنسبة للمملكة العربية السعودية وعمان وقطر والكويت، نرى أن الدمج ليس في الواقع قضية ذات صلة في هذه المرحلة لأنه يوجد في هذه البلدان عدد قليل من البنوك، والقطاع المصرفي لديه هيكل احتكاري إلى حد ما.

أما بخصوص مملكة البحرين، فاعتبر داماك اندماج البنوك فيها إجراءً منطقياً، ومن شأنه أن يفيد البنوك المحلية، "نظراً إلى حقيقة أن السوق صغير وهناك عدد من البنوك العاملة في المملكة".

نمو غير عضوي

وفي الأسواق المزدحمة، فإن خفض عدد البنوك من شأنه أن يسمح للبنوك المتبقية بالتنافس بشكل أفضل على العملاء والعقود. ورغم أن هذا ربما كان واضحاً في الماضي، فإن النمو القوي الذي شهدته البنوك في المنطقة في السنوات السابقة جعل هذا القرار غير ضروري. لكن الآن تغير ذلك.

وقال رئيس الأبحاث في بنك "أرقام كابيتال"، ومقره دبي، ياب ماير: "هناك مجال كبير للاندماج، بيئة النمو مثالية الآن للاندماج، ليس لديك نمو مذهل كما رأينا في السنوات القليلة الماضية ولكن لا يوجد ما يدعو للقلق".

وأضاف: "نحن نواجه تباطؤاً اقتصادياً، لذا يتعين علينا، باعتبارنا بنكاً، أن نفكر في النمو غير العضوي".

ومع انخفاض ودائع القطاعين العام والخاص في جميع أنحاء المنطقة، يظل الوصول إلى التمويل يمثل مشكلة رئيسة بالنسبة للبنوك. وأضاف ماير: "الجانب التمويلي مهم جداً؛ فالشركات الوطنية الرائدة، بنك أبوظبي الوطني، وبنك الكويت الوطني، وبنك قطر الوطني، في وضع رائع لأن تكاليف تمويلها أقل بكثير، ولديها قاعدة ودائع أقوى وقدرة كبرى على الوصول إلى أسواق الجملة. وهذا يدفع البنوك الأخرى نحو الاندماج".

ومع توقع بقاء نمو القطاع المصرفي منخفضاً في المستقبل القريب، وتزايد المنافسة في الحصول على التمويل، قد تكون عمليات الاندماج والاستحواذ هي أفضل طريقة لبعض البنوك في المنطقة للحفاظ على نموها أو في محاولاتها لتصبح قوى إقليمية، وهذا بدوره يمكن أن يدفع البنوك الأخرى إلى الاندماج من أجل مواكبة ذلك.

في الختام نستطيع القول إن الاندماج في الغالب يكون خياراً استراتيجياً للشركات نحو التكتل والتحالف لخلق كيان جديد وعملاق ذي تقدم تقني ورأسمالي وتكنولوجي يمكنه استغلال حدة المنافسة العالمية لصالحه، ويكون له القدرة على تحقيق الأهداف التي لا تستطيع أن تحققها كل شركة بمفردها، أو للتغلب على مشاكل قائمة أو متوقعة في المستقبل لهذه الشركات، ومن المفترض أن يكون اندماج الشركات معاً في كيان أكبر هو الطريق الأمثل لتحقيق العديد من الإيجابيات، التي يمكن إيجازها في السطور الآتية:

التوسع

يساعد الاندماج المصرفي المؤسسات على التوسع بسرعة واكتساب عدد كبير من العملاء الجدد على الفور. ولا يقتصر الأمر على حصول البنك على المزيد من رأس المال للعمل به عندما يتعلق الأمر بالإقراض والاستثمارات، ولكنه يوفر أيضاً بصمة جغرافية أوسع، وبهذه الطريقة يمكن تحقيق أهداف النمو الخاصة بشكل أسرع.

الكفاءة

تعمل عمليات الاندماج أيضاً على توسيع نطاق البنك بشكل أكثر كفاءة، من حيث العمليات المصرفية، إذ يمتلك كل بنك بنية أساسية للامتثال وإدارة المخاطر والمحاسبة والعمليات وتكنولوجيا المعلومات، والآن بعد أن أصبح البنكان بنكا واحداً، أصبح بالإمكان دمج هذه البنى التحتية التشغيلية وإدارتها بشكل أكثر كفاءة، ومن الناحية المالية يتمتع البنك الأكبر حجماً بمخاطر إجمالية أقل.

ملء الفجوات التجارية

تعمل عمليات الاندماج والاستحواذ المصرفية على تمكين البنوك من سد الفجوات في المنتجات أو التكنولوجيا، إذ إن الاستحواذ على بنك أصغر يقدم نموذجاً فريداً للإيرادات أو منتجاً مالياً يكون أحياناً أسهل من بناء وحدة الأعمال من الصفر. ومن منظور تكنولوجي، فإن الاندماج مع بنك أكبر قد يسمح للبنك الأصغر حجماً بترقية نظامه الأساسي التكنولوجي بشكل كبير.

ترقية المواهب والفريق

على الرغم من أن هذا لا يشكل عاملاً في الميزانية العمومية، فإن كل بنك يستفيد من عملية الاندماج أو الاستحواذ بسبب الزيادة في المواهب الموجودة تحت تصرف القيادة. وتقدم عملية الاندماج إمكانية تعزيز فريق المبيعات أو تشكيل فريق من كبار المديرين، ولا ينبغي تجاهل هذا العنصر البشري أو التقليل من أهميته.