ما يحدث بداخل عقولنا يشبه حرباً كونية مصغّرة بين الأفكار. هكذا أشبّه عقلي. فكل فكرة تتدافع مع الأخرى لتخرج وتكون لها السيطرة على العقل، ومتى ما تمكنت أي فكرة منك سيكون لها القدرة على قيادة حياتك بأكملها. فربما تأتيك فكرة سلبية ما، فتسحبك من كلتا يديك سرعان ما تجد نفسك قد غرقت في دوامة البؤس والحزن بدون وعي منك فتوردك إلى الهاوية والفضل في ذلك كله يعود: للسيدة فكرة!

هناك خيط رفيع بين الوعي واللاوعي لا يدركه أغلب البشر فيعيشون وفق الأفكار التي تحرك حياتهم في اللاوعي. هذا الخيط هو الذي يجعلك توقف سيل الأفكار السلبية وتسمح بإعادة التوجيه الذهني لها، وبذلك تنجو من الغرق في شبر فكرة أتتك من مكان مظلم في عقلك.

فمهارة إعادة توجيه الذهن تتطلب وعياً دائماً وترويضاً للذات وتعويدها على البحث عن النور وسط العتمة وعن الإيجابية وسط ركام الأحداث والمواقف السلبية.

ولعل أجمل القصص التي سمعتها عبر منصة البودكاست هي لسيدنا عيسى عليه السلام الذي مر على جيفة كلب، وكان برفقة أتباعه الحواريين، ولأن المنظر قد يبدو مريعاً للبعض فقد تأففوا منه وقالوا ما أنتن ريح هذا الكلب. والمتأمل في هذا الموقف سيجد أنه من الطبيعي أن تكون هذه ردة فعلهم لدى رؤية كلب ميت تفوح منه رائحة منفرة، فقد عبروا عما يرونه أمامهم وما شعروا به في تلك اللحظة. لكن سيدنا عيسى قال: بل ما أشد بياض أسنانه! في هذه اللحظة أمسك سيدنا عيسى بالخيط الرفيع الفاصل بين الوعي واللاوعي وأعاد توجيه أذهانهم جميعاً ليبحثوا عن الإيجابية فقط. فللكلب أسنان ناصعة البياض.

تعلَّم أن تمارس هذه الطريقة مع الآخرين، فقد يكون معك زميل لا تطيقه، لذا جرب أن تمدح ذوقه في الملابس، أو طريقة قيامه بالمهام أو امتدح ترتيب مكتبه أو غيرها حسب ما تراه مناسباً بدون نفاق أو مبالغة، ستجد أن هذه الكلمات اللطيفة لها وقع السحر في القلوب، كما أنها تعلمّك أن تكون مثل عين النحلة التي تبحث عن الورد فقط على عكس عين الذبابة التي تبحث عن القاذورات.

قد يقول أحدهم بأن زوجته حرقت وجبة الغداء ولا إيجابية في الموضوع حتى يراها. أستطيع أن أقول له لعل الخير يكمن في أخذ راحة لمدة يوم بعيداً عن عناء المطبخ والمشاركة معاً في اختيار مطعم لذيذ ومشترك للطلب منه. هكذا تقلب الطاولة لصالحك وتطرد السلبية بعيداً عن حياتك.