أيمن همام
كانت في مجريات أعمال القمة العربية الـ33 (قمة البحرين)، وما تضمنه هذا الاجتماع التاريخي من رسائل بالغة الأهمية، دعوة للتأمل والتدبر في ما تحمله هذه الرسائل من مضامين عميقة وقيم نبيلة ورؤى سديدة.الكلمة السامية التي ألقاها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم في الجلسة الافتتاحية للقمة أعادت ضبط بوصلة العمل العربي ووجهتها نحو القضايا المهمة التي تمس واقعنا المعاصر ومستقبل الأجيال القادمة من أبناء الأمة العربية.ولأن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، حملت مضامين الكلمة السامية في طياتها تحديداً دقيقاً للهدف الأسمى الذي يجب أن يتحد من أجل تحقيقه أصحاب القرار في العالم العربي من الخليج إلى المحيط؛ وهو استعادة أمتنا العظيمة مكانتها التاريخية كقوة حضارية مؤثرة في صناعة القرار الدولي، وأن ينال أبناؤها ما يستحقونه من رخاء ونمو وازدهار.لم تقتصر الكلمة السامية على تحديد الهدف فحسب، بل قدمت وصفاً واضحَ المعالم للمسار المؤدي إلى تلك الغاية، ودعوة صريحة موجهة إلى كل من يكن في صدره اهتماماً حقيقياً وصادقاً بالحفاظ على مصالح الأمة العربية ومقدرات شعوبها، وهو مسار الاستقرار والتنمية الشاملة وفهم متطلبات العصر ومواكبة عجلة تقدمه.وإدراكاً لأهم العوامل المؤثرة في الاقتصاد العالميالمعاصر، خص جلالة الملك المعظم بالذكر مبادرة البحرين بشأن تطوير التعاون العربي في مجال التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي، وذلك عبر قنوات العمل العربي المشترك وشراكاته الدولية.الوطن العربي يملك طاقة بشرية هائلة، إذ يبلغ عدد سكانه، بحسب تقديرات البنك الدولي لعام 2022 أكثر من 465 مليون نسمة، أكثر من 25% منهم هم شباب تراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً، وفقاً لبيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أي أكثر من 116 مليون شاب وفتاة، وهو عدد يضع أبناءنا بين أكبر المجموعات الشبابية في المجتمعات البشرية على وجه البسيطة.هذه الطاقة الجبارة في حاجة لمن يوقد فيها شعلة الأمل، ويضيء أمامها الطريق نحو مستقبل مزدهر يحقق طموحاتهم المشروعة ويلبي مطالبهم المستحقة.بكلمات قليلة في عددها وكبيرة بمعانيها، قدم حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم إلى العالم العربي، شعوباً وحكومات، مفاتيح الأمل في استعادة المكانة الحضارية المستحقة لهذه الأمة العريقة؛ وهي توفير الخدمات التعليمية والصحية، والتركيز على تعليم وتدريب الشباب وتأهيلهم للتعامل مع متطلبات العصر ومواكبة عجلة التقدم، والتسلح بالعلم والمعرفة، خصوصاً في المجالات الواعدة والمؤثرة في اتجاهات الاقتصاد العالمي، وعلى رأسها التكنولوجيا المالية والتحول الرقمي.وختم جلالة الملك المعظم كلمته السامية بعبارة لخصت بكل حكمة وبلاغة، ما تستحقه أجيالنا القادمة؛ «إعادة التأسيس لحاضر مزدهر ومستقبل مشرق»، ليرسم بكل براعة وإتقان ملامح خريطة المسيرة التنموية الشاملة، التي تتناسب مع عراقة وحضارة أمتنا، وتأخذ بيد شبابها وشاباتها باتجاه النهوض، وتحقيق معدلات تنمية تستوعب طاقاتهم وتعكس قدراتهم، وتحسن من مستويات معيشتهم، وتنقلهم إلى قمة هرم الإبداع والتميز، وتحولهم من مجرد مستهلكين لما تصدره لنا دول العالم الأول إلى منتجين للعلم والمعرفة.