تشكل الزيارة التي سيقوم بها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، رئيس الدورة الحالية للقمة العربية، حفظه الله ورعاه، إلى جمهورية الصين الشعبية الصديقة، بناءاً على دعوة من فخامة الرئيس الصيني "شي جينبينغ" للمشاركة في الجلسة الافتتاحية لمنتدى التعاون العربي الصيني، مرحلة جديدة في مسيرة العلاقات الوثيقة بين البلدين الصديقين، والتي ترجع إلى ما يزيد على 35 عامًا منذ بداية العلاقات الدبلوماسية في العام 1989م، وهي علاقات وطيدة تقوم على الاحترام المتبادل، والرغبة الصادقة في بناء نموذج للتعاون الثنائي يخدم المصالح المشتركة.وتكتسب زيارة جلالة الملك المعظم إلى جمهورية الصين الشعبية أهمية متزايدة، من حيت توقيتها، فهي تأتي في أعقاب القمة العربية الثالثة والثلاثين التي استضافتها مملكة البحرين في 16 مايو من هذا العام برئاسة جلالته، وما صدر عنها من قرارات ومبادرات بناءة أطلقتها مملكة البحرين وأيدتها الدول العربية تخص حاضر ومستقبل العمل العربي المشترك، وما تضمنه "إعلان البحرين" الصادر عن القمة من مواقف بشأن العديد من القضايا الإقليمية والدولية، حيث تسعى المملكة من خلال رئاستها للعمل العربي المشترك خلال الدورة الثالثة والثلاثين للقمة العربية إلى تعزيز وتنمية العلاقات العربية مع القوى الدولية ذات التأثير في النظام الدولي بما يخدم المصالح العربية في إطارها الشامل، والعمل من أجل الوصول إلى تفاهمات تدعم القضايا العربية العادلة، وبناء توازن في المواقف الدولية تجاه القضايا العربية.كما أن هذه الزيارة المهمة تأتي في ظل وضع دولي وإقليمي بالغ الدقة والحساسية، وبخاصة في ظل ما تمر به القضية الفلسطينية من تطورات جراء الحرب على غزة، وتزايد وتيرة النزاعات والصراعات والحروب في العديد من مناطق العالم، ولذلك فمن المتوقع أن تشهد الزيارة والقمة المقررة بين جلالة الملك المعظم و فخامة الرئيس الصيني "شي جينبينغ" تعزيزًا للعلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين، وتنسيقًا في المواقف تجاه مختلف القضايا الراهنة، وخصوصاً بشأن مبادرة مملكة البحرين المؤيدة عربياً للدعوة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط لحل القضية الفلسطينية، وإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة، ودعم جهود الاعتراف بفلسطين عضواً كامل العضوية في الأمم المتحدة، إضافة إلى عدد من المبادرات الإنسانية الرامية لخدمة القضايا الجوهرية لاستقرار المنطقة وتنميتها .وتمثل زيارة جلالة الملك المعظم، حفظه الله ورعاه، فرصة مهمة لتنمية العلاقات بين مملكة البحرين وجمهورية الصين الشعبية واستكمال ما تم إنجازه من نماء وتطور في التعاون الثنائي، وذلك انطلاقًا من مجموعة من القواعد التي تمثل عناصر تدفع هذه العلاقات للتميز، ولعل في مقدمتها الاحترام الإقليمي والدولي الذي تحظى به مملكة البحرين في ظل القيادة الحكيمة لجلالة الملك المعظم، أيده الله، ودعمها لجهود نشر السلام والمحبة والحوار والتسامح كقيم إنسانية نبيلة جوهرية لنهضة البشرية وتقدمها، بالإضافة إلى ما تمثله جمهورية الصين الشعبية من مركز ثقل عالمي استراتيجي فاعل ومؤثر في صناعة القرار الدولي.وتعكس زيارة جلالة الملك المعظم إلى جمهورية الصين الشعبية عمق علاقات التعاون والصداقة بين البلدين، والتي من شأنها أن تفتح آفاقًا جديدة للتعاون بينهما، بما يعزز من مسيرة العلاقات الثنائية، والتي شهدت تطورًا ملحوظًا منذ زيارة جلالة الملك المعظم السابقة إلى جمهورية الصين الشعبية في العام 2013م، وهي الزيارة التي شهدت مباحثات موسعة أضافت أبعادًا سياسية واقتصادية متميزة للتعاون الثنائي بين البلدين الصديقين، ولاسيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية، وجرى خلالها التوقيع على العديد من اتفاقيات ومذكرات التفاهم في مجالات الطاقة والصحة والتعليم والقطاع المالي والمصرفي وغيرها.كما ساهمت الزيارات واللقاءات المتبادلة بين الجانبين على أعلى المستويات في تعزيز أطر التعاون بينهما، سواء عبر بحث التعاون المشترك أو توقيع العديد من اتفاقيات التعاون ومذكرات التفاهم التي شملت مختلف المجالات، وعكست في الوقت ذاته، عمق العلاقة والصلات التي تجمع قيادتي البلدين، ورغبتهما المشتركة في توطيد التعاون بينهما، وهو ما ظهر واضحاً في تقارب الرؤى والمواقف في المحافل الدولية تجاه العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومساعي البلدين الصديقين لتعزيز قدرة المجتمع الدولي في كل ما يسهم في تحقيق التنمية والسلام والاستقرار في المنطقة والعالم.وتتميز العلاقات بين مملكة البحرين وجمهورية الصين الشعبية بأنها ذات طبيعة متكاملة، فإلى جانب التفاهم والتقارب في المواقف تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية، فإن الشق الاقتصادي يمثل ركيزة أساسية في مسيرة العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين، وهو ما تؤكده لغة الأرقام، حيث بلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين حوالي 2.4 مليار دولار في العام 2022، كما أن الصين تعد ثالث أكبر شريك تجاري لمملكة البحرين.وفي هذا الصدد، يتبادل الوزراء والمسؤولون الحكوميون الاقتصاديون ورجال الأعمال والمستثمرون من البلدين الصديقين الزيارات على مدار العام، وينظمون الاجتماعات والمنتديات الاقتصادية، والتي تهدف جميعها إلى تبادل الخبرات وتعزيز سبل الاستفادة واستقطاب المشاريع الاستثمارية، ولاسيما في قطاعات التصنيع والخدمات اللوجستية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.وأوضح تقرير لمجلس التنمية الاقتصادية في أكتوبر 2023 أن العديد من الشركات التي تتخذ من الصين مقرًا لها تستفيد من أعمالها القائمة في مملكة البحرين والتي توفر وصولاً استراتيجيًا إلى سوق الخليج، بالإضافة إلى مساهمتها الكبيرة في إنجاز المشاريع الإنشائية والبنية التحتية على نطاق واسع، ويشمل ذلك شركات "هواوي" التي يقع مقرها الرئيسي في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في مملكة البحرين، و"سي بي آي سي فيبرجلاس" أكبر شركة رائدة في تصنيع الألياف الزجاجية في الصين والتي لديها منشأة أنشئت في منطقة البحرين العالمية للاستثمار، و"كي كيه سي إندستريز ذ.م. م" (إيكول) الشركة الصينية المصنعة لمنتجات التدفئة والتهوية وتكييف الهواء، حيث تنتج وتصدر من خلال منشأتها الصناعية في مملكة البحرين المنتجات الرئيسية إلى جميع أنحاء الشرق الأوسط والولايات المتحدة والأسواق الأوروبية.وتتنوع مجالات التعاون بين مملكة البحرين وجمهورية الصين الشعبية وتشمل العديد من القطاعات، ومن بينها الثقافة، حيث يمتلك البلدان إرثًا تاريخيًا وحضاريًا عريقًا، وهذا التعاون تعزز من خلال الاتفاق الثقافي بين حكومة مملكة البحرين وحكومة جمهورية الصين الشعبية، والذي دخل حيز النفاذ بموجب المرسوم رقم (16) لسنة 1991، كما أن هناك تعاونًا بارزًا في المجال التعليمي والأكاديمي، والذي يتم تنفيذه من خلال سلسلة من الاتفاقيات، ومنها اتفاقية التعاون الأكاديمي بين جامعة الدراسات الأجنبية ببكين وجامعة البحرين، والاتفاقية بين معهد كونفوشيوس بجمهورية الصين الشعبية وجامعة البحرين بشأن إنشاء معهد كونفوشيوس لتدريس اللغة الصينية في جامعة البحرين.إن الزيارة التي يقوم بها جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، إلى جمهورية الصين الشعبية الصديقة تحمل أبعادًا ودلالات هامة تبرز مساعي مملكة البحرين إلى الانفتاح على دول العالم المؤثرة في القرار الدولي، وجعل فترة تولي رئاستها للقمة العربية مرحلة لانطلاقة عربية في علاقاتها وتقاربها مع الدول الكبرى، فضلاً عن بحث تعزيز العلاقات الثنائية بين مملكة البحرين وهذه الدول بما يخدم جهود التنمية في المملكة، فزيارة جلالة الملك المعظم إلى جمهورية الصين الشعبية سبقتها زيارة مهمة إلى روسيا الاتحادية الصديقة، وكان العنوان الأبرز هو العلاقات الثنائية ومستجدات القضايا الإقليمية والدولية.