رائد البصري
«اللوم» يا لها من غريزة أولى تحكمنا، وتدفعنا إلى محاسبة الآخرين على أخطائنا، إننا مهووسون باللوم، نمارسه ليل نهار، ونترك له الفرصة ليشكّل حياتنا اليومية، اللوم سلاح جاهز في أيدينا، ندافع به عن أنفسنا حين نشعر بالظلم والتهديد لنقتنص الفرصة وموجهين سخطنا إلى الآخرين لنضعهم في موقع المسؤولية ونبرئ أنفسنا، كيف يمكننا التعامل مع اللوم المستقرّ فينا لنتفادى عواقبه ونجعله وسيلةً إيجابيةً محفزةً؟الإجابة في هذا الكتاب لصاحبه ستيفن فانمان، الذي يتعمق في دراسة ظاهرة اللوم اجتماعيّاً ونفسيّاً وتاريخياً، عبر النماذج المتنوعة، من أفراد وجماعات ومؤسسات وحكومات، إنّ اللوم هو المسؤول الأول عن انتشار الحقد وتصفية الحسابات وتفريق الأمم[حيث اتسمت ثقافة اللوم] بالرجعية والتحيّز وإدانة الآخرين.يشير الكاتب إلى نموذج حي والتضحية به، للإيحاء بأن القضية قد أغلقت، وتتذكر هنا غرق السفينة «هيرالد أوف فري إنتر برايز « MS plc Herald of Free Enterprise (1987م) في طريقها من بلجيكا لإنجلترا، الذي أودى بحياة مئةٍ وثلاثة وتسعين شخصاً، وتبين أن أبواب الشحن كانت مفتوحةً، وأن المسؤول المباشر هو مساعد رئيس البحارة الذي كان نائماً، ثم تبين لاحقاً وجود مسؤولين آخرين منهم موظف لاحظ أن الأبواب مفتوحة ولم يتخذ إجراءً بدعوى أنه غير مسؤول، وكذلك الإدارة العليا التي تجاهلت طلباً بتركيب أضواء إنذار للتحذير إذا كانت الأبواب مفتوحةً، ورغم هذه الأخطاء المتشعبة كلّها، عملت شركة تاونسيند ثوريسنTownsend Thoresen المالكة للعبّارة إلى توجيه اللوم إلى المساعد الذي تم توجيه له سبب الكارثة على رغم أن السفينة غير مؤمنة بأجهزة الإنذار ضد ارتفاع منسوب الماء التي كانت خارج الصيانة أي أن تملص الإدارة العليا من المسؤولية بوضع طعم ككبش فداء.العلاقة بين المنتج والمستهلك سنرى في كثير من الأحيان عندما يفشل المنتج في استحسان المستهلكين نرى شركة المنتج تضع اللوم على المستهلكين بخصوص عدم معرف استخدام المنتج دون أن تلجأ الشركة لعملية التقييم لمعرفة الأسباب.في المجتمع نرى رب الأسرة دائماً ما يضع اللوم على الأم في إخفاق الأبناء مثلاً بشؤون الدراسة أو انحرافهم في سلوكهم الاجتماعي والأم من جانب آخر تلوم الأب بسبب عدم الاهتمام وكثرة الانشغال ودخول المنزل في وقت متأخر من الليل.في النهاية يضع الكاتب بعض الحلول للخروج من المشكلة وهي أن نعترف بأخطائنا كبشر ونقيم أعمالنا ونضع الحلول العادلة التي تنصف الجميع دون أن نضع اللوم على فئة لكي نخرج من عنق الزجاجة.