طلب مني أن أرافق قريباً لي في رحلة إلى لندن فقبلت المهمة بلا تردد، فمن منا لا يرغب في زيارة خاطفة لمدينة أسرت قلوب الملايين وعشقها العرب منذ سنين وأصبحوا يعتبرونها مدينتهم الثانية وموطناً حاضناً لهم طوال فترة الصيف وبعده أحياناً. وتشجعت لزيارة لندن بعد غياب طويل لأنني شعرت أن الأوان قد آن لاستعادة ذكرياتي مع هذه المدينة الساحرة التي درست فيها وكونت علاقة وطيدة مع مقاهيها وشوارعها وأسواقها وحدائقها.ولاحظت أن لندن، لم تتغير فالشوارع والمباني هي نفسها وكذلك الميادين، وهواؤها يحمل نفس الرائحة المنعشة خاصة في الحدائق الكبيرة التي تتوسطها مثل هايد بارك وريجنت بارك، لكنها شهدت تغيراً كبيراً في تركيبة سكانها، فالطاغي هم الأجانب سواء من آسيا أو أفريقيا ويضاف اليهم عشرات الآلاف من المهاجرين العرب. لم تعد لندن إنجليزية بالمعنى التقليدي بل أصبحت تضم خليطاً غير متجانس من البشر لا تجمعهم لا لغة أو عادات أو ديانة أو حتى قيم ومبادىء، فالمشهد مبعثر وألوانه غير متناسقة.في التسعينات وبداية الألفية شهدت لندن هجوم العمالة الرخيصة من أوروبا الشرقية عليها والتي استحوذت على الوظائف في فنادقها ومطاعمها ومحلاتها التجارية، اليوم يسيطر على هذه الوظائف الآسيويون بشكل كبير مع وجود بعض العناصر الأفريقية والعربية مع غياب شبه تام للإنسان الإنجليزي الذي نعرفه. ولا أعلم إذا كان هذا الأمر يعتبر إيجابياً أم سلبياً لكن المنظر يبدو لي غريباً حيث لم تصبح للمدينة العريقة هوية واضحة بعد أن أصبحت مأوى للعمال من مختلف دول العالم.ولعل أحد أكثر المظاهر إزعاجاً حالياً في لندن هو الدراجات الهوائية ذات العجلات الثلاث والمنتشرة في شارع إكسفورد الشهير وحي ماي فير الراقي التي يقودها مجموعة من الآسيويين والعرب. فشكل هذه الدراجات المغطاة بالريش الوردي فاقع اللون والتي تنشر سماعاتها موسيقى خليجية أو هندية بأعلى صوت، انحدار شديد في مستوى مدينة حكمت العالم في يوم ما وتعتبر حتى وقت قريب المصيف الأول لأثرى أثرياء العالم.وتبقى بعض الضواحي اللندنية محافظة على وضعها غير المشوش لكنها قليلة مقارنة بالمناطق التي باتت تتغير ملامحها سريعاً. ويبدو أن هذا التغير في هوية لندن وغيرها من مناطق انجليزية هو الذي يدفع بالبريطانيين إلى اللجوء إلى حزب يوقف عنهم تدفق المهاجرين بالكثافة الحالية ولذلك يحصد نايجل فراج وهو سياسي عرف بمناهضته للهجرة تعاطفاً كبيراً ويشهد حزبه الجديد تقدماً جيداً في الانتخابات القائمة، بل أن ملف الهجرة هو على الأرجح الملف الذي سيحدد الحزب الحاكم في الرابع من يوليو يوم الانتخابات البريطانية.