خسر المحافظون بقيادة ريشي سوناك خسارة فادحة في الانتخابات التي نظمت الخميس الماضي، كلفتهم أغلب مقاعدهم البرلمانية وجعلتهم يتحولون من الحزب الحاكم في بريطانيا ذي الأغلبية الكبيرة إلى حزب ذي تمثيل متواضع نسبياً. النتيجة كانت متوقعة والحديث عن اكتساح حزب العمال - حزب المعارضة سابقاً والحزب الحاكم حالياً- للانتخابات كان يدور منذ شهور، فأداء المحافظين في السنوات الأخيرة كان تعيساً أما سمعتهم فتأثرت سلباً بعد سلسلة من الفضائح والأخطاء الإدارية والتعثر في تنفيذ سياسات مهمة طالب بها الناخبون.وأرى لندن مرآة لإدارة حزب المحافظين في السنوات الأربع عشرة الأخيرة وفي الفترة التي استمروا فيها في الحكم، فزياراتي لها خلال الانتخابات كشفت لي السلبيات وبينت التراجع في الخدمات الأساسية التي لم أشهدها سابقاً.مثلاً، عندما اضطررت إلى زيارة المستشفى التابع للخدمة الصحية الوطنية NHS بعد نزلة برد شديدة وارتفاع في درجة الحرارة وجدت أن الخدمة التي كانت فخراً لكل بريطاني والتي استفدت منها شخصياً عدة مرات خلال إقامتي كطالب في بريطانيا أصبحت تعاني من البطء الشديد المنفر.فمن أجل أن أرى طبيباً عاماً GP، انتظرت أكثر من ساعتين ونصف في قاعة انتظار ضيقة ومكتظة بالمراجعين من مختلف الأجناس في مبنى قديم ومتهالك.وهذا الأمر بحد ذاته، هو أحد أكبر التحديات التي يواجهها القطاع الصحي الحكومي في بريطانيا، فالانتظار الطويل للحالات سواء البسيطة أو المعقدة وتدهور الإمكانيات يجبر البريطانيين على دفع رسوم باهظة للعيادات الخاصة من أجل العلاج بشكل أسرع وهو أمر يزيد من الضغط المالي على الأسرة والأفراد.وقد وعد حزب العمال الذي فاز للتو بالانتخابات أن يقلص فترة الانتظار للحالات الطارئة وأن يرفع عدد استقبال المرضى إلى 40 ألفاً كل أسبوع بالإضافة إلى تحسين مستوى الخدمة.قد لاحظت أيضاً خلال زيارتي للمستشفى أن أغلب المستفيدين من الخدمة الصحية المجانية هم من المقيمين الجدد والمهاجرين مع تواجد طفيف للبريطانيين، وهذا يعود طبعاً إلى التدفق الكبير للمهاجرين سواء الشرعيين أو غير الشرعيين وهو أمر يقلق البريطانيين كثيراً.وقد كسب حزب Reform المناهض لكافة أشكال الهجرة خمسة مقاعد برلمانية وحقق المركز الثاني في كثير من الدوائر الانتخابية بعد أن وعد بالوقوف ضد سياسات الهجرة الحالية هو رقم جيد لحزب جديد مغمور ولا يملك أي تاريخ سياسي يذكر.إذاً، من يزور لندن يلحظ مدى تأثرها بسياسات حزب المحافظين وهي تعكس إخفاقاتهم في عدة ملفات أبرزها الملف الصحي وملف المهاجرين. لكن تبقى جوانب مضيئة كثيرة في لندن أبرزها التعامل الإنجليزي الرائع مع الزائرين وهو أمر يتميز فيه الإنجليز على سائر الأوروبيين حيث يمتلكون قدراً كبيراً من التسامح في التعامل مع الضيف الأمر الذي يجعلك تشعر بالراحة والأمان والقبول.أيضاً، أمر آخر في غاية الأهمية بالنسبة للمحب للثقافة والتاريخ مثلي وهو مسألة دخول المتاحف العريقة والضخمة مجاناً ودون رسوم مما يجعل من السفر إلى لندن متعة ثقافية من الطراز الأول.
الرأي
هلو لندن «2»
08 يوليو 2024