جاء في ميثاق العمل الوطني 2001: «قبل انبثاق فجر الرسالة الإسلامية كانت البحرين تحتضن بحرية تعدد الأفكار والمعتقدات على أرضها في نموذج نادر المثال في تلك العصور، وفي ظل هذا التسامح الروحي والفكري ازدهرت الثقافة وتعايشت الأديان وشهد الشعر العربي على لسان شعراء البحرين أروع القصائد في الفكر والوجود مبشّرة بنهضة جديدة للعرب على مسرح التاريخ».تُعد البحرين أحد أقاليم الجزيرة العربية المهمة، التي شهدت استقرار القبائل العربية القادمة من جزيرة العرب، وأصبح لها وجود وحضور وتأثير في كافّة المجالات يأتي في طليعتها الحياة الثقافية والأدبية. حيث لعب هذا الإقليم دوراً رئيساً في إثراء التراث الأدبي العربي وتطوّر اللغة وأساليب الشعر.- الشعر ديوان العرب: مثّل الشعر ديوان العرب ومجال تعبيرهم الفني الأول، ووسيلةً للتعبير عن آمالهم وأحلامهم، وسجلاً لتاريخهم ومنجزاتهم، تجلّى فيه جمال اللغة والبلاغة، مع عمق الخيال والرؤى، وصدق التعبير عن المشاعر الإنسانية، فكان انعكاساً لتطلعاتهم وإنجازاتهم، ومنهلاً لا ينضب للثقافة العربية على مر العصور. يقول ابن خلدون «اعلم أنّ الشعر كان ديواناً للعرب فيه علومهم وأخبارهم وحكمهم وكان رؤساء العرب متنافسين فيه، وكانوا يقفون بسوق عكاظ لإنشاده. وجاء في خزانة الأدب للبغدادي «فإن استحسنوه روي وكان فخراً لقائله وعلق على أركان الكعبة « ومن هنا جاءت تسمية المعلقات.- شعراء البحرين: نظراً لارتباط الشعر بحياة العرب، كان لكل قبيلة عربية شعرائها. فظهر بين قبائل البحرين شعراء سجّلوا أيام ومفاخر قومهم وسائر أحداثهم فكانت البحرين موطناً لعدد من الشعراء الذين اكتسبوا شهرة واسعة، إذ ورد في كتاب طبقات الشعراء:» في البحرين شعر كثيرٌ جيد، وفصاحة»، وقد برز منهم ثلاثة من شعراء المعلقات منهم طرفة بن العبد (الغلام القتيل) شاعر البحرين قبل الإسلام الذي يعد من فحول الشعراء والذي جمع في شعره بين قوة مضر ورقة ربيعة وقد سبق عصره بعقله وفكره، كذلك يبرز الحارث بن حلزة اليشكري الذي كان سيداً في قومه ودافع عن قبيلته بكر وذكر مفاخرها، حتى ضرب به المثل في الفخر، وثالث هؤلاء الشعراء الأعشى الذي يكنى بأبا بصير، الذي امتاز شعره بالطابع الموسيقي.ومن الشعراء المشهورين أيضاً عمرو بن قميئة، والمثقب العبدي أحد نوابغ الشعراء، الذي ينتهي نسبه إلى عبدالقيس، والمرقش الأصغر والأكبر، والمتلمس الضبعي خال طرفة، والمنخل اليشكري والممزق العبدي، ومن شاعرات البحرين الخرنق أخت طرفة التي دار شعرها حول الرثاء والهجاء.- خطباء وأدباء: إلى جانب احتضان هؤلاء الشعراء البارزين، كانت البحرين موقعاً بارزاً لانعقاد العديد من المسابقات الأدبية في الأسواق الموسمية كسوق هجر، كما شارك أدباء البحرين مع مختلف القبائل العربية في التنافس والتفاعل الأدبي في أسواقهم الشهيرة منها سوق عكاظ وذي المجاز، حيث كان لهذه التجمعات الأدبية دور كبير في تعزيز مكانة البحرين وأدبائها كمركز مهم للحياة الثقافية والإبداعية في تلك الحقبة.- إرثٌ لا ينضب: إنّ التراث الثقافي والأدبي الغني الذي زخر به إقليم البحرين قبل الإسلام لا يزال يلعب دوراً مهماً في الحياة الثقافية والأدبية المزدهرة للمملكة اليوم. فقد أثرى هذا الإرث الثمين المشهد الثقافي والأدبي البحريني وأضفى عليه رونقاً خاصاً، وما انفكّت مملكة البحرين تواصل جهودها الرائدة في الحفاظ على هذا الإرث العريق وتسليط الضوء عليه من خلال المبادرات والمشاريع الثقافية والتراثية المتنوعة، واليوم تشهد المملكة نهضة ثقافية وأدبية متميّزة مستمدة من هذا الإرث الحضاري العريق الذي مدّ الثقافة والأدب البحرينيين بالإبداع والإلهام، وأسهم في تعزيز الهوية الثقافية للمملكة.ومن هذا المنطلق؛ فإن المحافظة على هذا التراث وتثمينه سيظل أحد أولويات مملكة البحرين بما يضمن استمرارية ازدهار الحياة الثقافية فيها.* باحث في التاريخ وأكاديمي
الرأي
الثقافة والأدب في إقليم البحرين قبل الإسلام: تراثٌ ملهم
30 يوليو 2024