أميرة صليبيخ
منذ أسبوعين أو أكثر أصيب هاتفي النقال بعطلٍ تسبب في إصابتي بحالة هلعٍ مؤقت. وكان العطل نتيجةً لامتلاء الذاكرة واختناقها بالتطبيقات والفيديوهات ذات الحجم الكبير، وعدم تحديث الهاتف لفترة طويلة.ولمدة 12 ساعة كنت أحاول إعادة تشغيل الهاتف لكنه لم يستجب، وظلت شاشته السوداء تبث في نفسي الحزن. الحياة معطلة، وأنا في عزلة تامة عما يحدث حولي في العالم. بقيت متوترة لفترة طويلة خوفاً من فقدان محتويات هاتفي وكأنهم سيبترون عضواً مني، ومع ذلك كنت على استعداد لتقبل ما سيحدث، ووضعت السيناريوهات المحتملة وكيف سأتصرف في أسوء الحالات.استمرت محاولات إنعاش الهاتف لمدة ساعات، إلى أن استسلمت ورميته بعيداً عني حتى لا يأكلني القلق أكثر. في تلك اللحظة كنت في مواجهة مع نفسي. أنا وهي وجهاً لوجه دون أن يكون الهاتف النقال ثالثنا. كان وقتاً مستقطعاً لأعيد اتصالي بالحياة الحقيقية التي تحدث الآن.. الحياة الواقعية جداً.تعمدت ألا أستخدم الكمبيوتر المحمول يومها ولا التلفاز، وأن أظل في مكاني أراقب نفسي وما الذي سأفعله الآن بدون هاتف. لم تكن الساعات الأولى سهلة لأنها مملة وثقيلة وموحشة جداً، وتشعر معها أنك مُفرغ من الحياة، وحيدٌ وعارٍ.كنت أفكر أن ذاكرتنا البشرية مثل ذاكرة الهاتف أيضاً، مليئة بأشياء من المفترض ألا نبقيها، أفكار معتقدات، قناعات، ذكريات، مواقف، أشخاص ومشاعر، كلها تعيثُ فساداً وألماً في داخلنا وتجعلنا أكثر هشاشة. هذه التي تنام بوداعة تحت جلدنا من الممكن مع الوقت أن تتسبب في تعطيلنا كما يتعطل الهاتف النقال. فجأة ستصاب بالمرض العضوي أو النفسي دون أن تدرك أن تراكمات هذه الأمور التي أبقيتها طويلاً في الذاكرة هي سبب سقمك. فنحن نحتاج أن نطل بين فترة وأخرى على ذاكرتنا وأن نعمل على تنظيفها وإعادة حشوها بما هو مبهج ومفيد.الذاكرة الممتلئة سريعة العطب، غير قادرة على هضم وتمرير المعلومات والبيانات، فكيف تتوقع أن تتغير حياتك وأنت لاتزال عالقاً في ذاكرة لا تخدمك، وتعيد طرح الأفكار والبؤس ذاته عليك؟ما تعلمته من تجربة تعطل هاتفي -والاضطرار إلى الاستغناء عنه بما فيه لفترة- هو أننا قادرون على الحياة بدون هاتف، وأن جميع ما في ذاكرته ليس له قيمة كما كنا نتصور، والأهم من هذا كله أن ما نريد أن نتذكره ونستشعره موجود في داخلنا نحن وليس في ذاكرة الهاتف، وأننا في النهاية قادرون على اختيار ما نريد إسقاطه وما نريد إبقاءه في ذاكرتنا قبل أن يطالها العطب.