استمر تبادل الرسائل بين النبيﷺ وحكام وقبائل أهل البحرين، ممّا يكشف لنا اهتمام النبي ﷺ. بأحوال إقليم البحرين وحرصه الكبير على توجيههم وتعليمهم أمور دينهم الجديد، ومن خلال تتبع هذه الرسائل، يمكننا استنباط عدة مؤشرات حول طبيعة العلاقة بين النبي ﷺ وأهل البحرين وما اتّسمت به من وفاء وتفاعل إيجابي بنّاء.أبرز المضامين: تضمّنت المراسلات عدداً من القيم والفوائد، فقد حملت الرسالة الثالثة مضامين تؤكد أهمية التفقه في الدين عبر اهتمام النبي ﷺ بتعليم أهل البحرين تعاليم الدين الجديد وتوجيههم نحو الفهم الصحيح له، حيث بيّنت حقوق المسلم وواجباته وقيمة الجزية، أمّا الرسالة الرابعة فقد أكّدت على حُسن الخلق حيث حوت الثناء الطيب الذي نقله رسل النبي ﷺ عن أعمال المنذر الصالحة.وقد جاءت الرسالتان الخامسة والسادسة بموضوعات تتعلق بالصلاة والقبلة والذبائح وغيرها من أحكام الإسلام ممّا يؤكّد حرص النبي ﷺ على تمكين أهل البحرين من التفقه في الدين ويؤكد في الآن ذاته حرص أهل البحرين على تعلم مبادئ الدين بعد انضمامهم إليه.تلتها الرسالة السابعة التي تضمّنت قيم الوفاء بالعهد حيث أكّدت لنا على أهمية الوفاء بالعهود والمواثيق التي أبرمها النبي ﷺ مع أهل البحرين عند إسلامهم، فأشارت لوجوب الالتزام بما عاهدوا عليه وأنّ العلاء الحضرمي هو أمين الرسول ﷺ على بر البحرين وبحرها وحاضرها، ممّا يعكس مكانة وعظم دور العلاء الحضرمي وفي ذات الوقت رغبة النبي ﷺ في الحفاظ على العلاقات الطيبة الإيجابية مع أهل البحرين وتحقيق الأمن والاستقرار.كذلك بيّنت الرسالة الثامنة والتي وردت لقبيلة عبدالقيس وحاشيتها الأصول الأساسية للدين الإسلامي.كثرة وتنوع الرسائل: المدلولات: إنّ كثرة هذه الرسائل وتنوعها واختلاف الجهات المرسل إليها في الوقت الوجيز يعكس مدى اهتمام النبي ﷺ بأحوال أهل البحرين واتساع معرفته بشؤونهم، فقد وردت رسائل لجهات متعددة كالمنذر بن ساوى والأكبر بن عبدالقيس والهلال صاحب البحرين وبكر بن وائل وغيرهم، حيث يشير هذا التنوع لسعة اطلاع النبي ﷺ على الأوضاع السياسية والإدارية والاجتماعية الداخلية في إقليم البحرين ومدى أهمية ومكانة البحرين في دولة المدينة في عهد النبوة.من وصايا النبي ﷺ إلى الممارسة الإسلامية الراهنة: ختاماً يمكن القول إنّ هذه الرسائل المتبادلة بين النبي ﷺ وأهل البحرين تعكس بجلاء أهمية هذه المنطقة في نظر قائد الأمة ﷺ وحرصه على ضمان استقرارها وانتظام شؤونها بعد دخول أهلها الإسلام واهتمامه بتوطيد الإسلام في قلوب أهلها، فهذه الرسائل النبوية التي وضحت أهمية الوفاء بالعهود والوعي والمعرفة تؤكد لنا دور هذه القيم في ترسيخ الاستقرار والتماسك الاجتماعي، وتعزيز روح المسؤولية والالتزام في المجتمعات الإسلامية.واليوم تواصل مملكة البحرين التزامها بتعزيز المبادئ الإسلامية الأساسية في المجتمع المعاصر. ففي إطار هذا النهج، تسعى الحكومة البحرينية إلى ضمان احترام العقود والاتفاقيات المبرمة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وتعزيز دور المؤسسات التعليمية والدينية في نشر العلم والمعرفة الدينية الصحيحة وتشجيع البحث العلمي في المجال الديني، متمثلة في جهود وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف وغيرها من المؤسسات العلمية والدينية الرائدة، إضافة إلى تكريس قيم المسؤولية والالتزام في المجتمع. إيماناً منها بأنّ هذا النهج سيُسهم في بناء مجتمع إسلامي متماسك ومستقر، ويعزّز من مكانة البحرين كنموذج للدول الإسلامية المعاصرة.* باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري للخليج العربي