بعد الانتشار الكبير للإسلام في كافّة ربوع إقليم البحرين، طرأت تحوّلات كبيرة في الجوانب الدينية والإدارية والسياسية وأضحى هذا الإقليم أحد الركائز الأساسية للدولة الإسلامية التي أرسى أسسها النبي ﷺ في المدينة، وقد قام ﷺ بجملة من الترتيبات لتنظيم الشؤون الإدارية لدولته، ونظراً لأهمية إقليم البحرين ومكانتها بين أقاليم الجزيرة العربية فقد حظيت بأولوية في الإجراءات النبوية حيث تم تعيين عدد من الولاة والعمال الذين ساهموا في استقرارها ودمجها في كيان الدولة سياساً واقتصادياً وإدارياً واجتماعياً.- المنذر بن ساوى التميمي: اختاره أهل البحرين حاكماً على البحرين، وقد اشتهر بحكمته وحسن إدارته، كما يثبت هذا الاختيار وجود ترتيبات ورؤية إدارية وسياسية تعارف عليها أهل البحرين مبكراً، وقد عاصر المنذر عهد النبوة، وتشرّف باستلام رسالة النبي ﷺ ودعوته للإسلام، ونظراً لرجحان عقله ووعيه وحرصه أسرع في الاستجابة للدعوة، وأعلن دخوله في الإسلام، وكان لإسلامه دور كبير في انتشار الإسلام بين أهل البحرين، ممّا يثبت مكانته وقوة تأثيره في الإقليم، وقد بقي والياً عليها حتى وفاته سنة ١١هـ.- العلاء بن عبدالله الحضرمي: صحابي جليل، كان حامل رسائل النبي ﷺ إلى حاكم البحرين المنذر بن ساوى وزعماء آخرين، ونظراً لعلمه وفقهه وما يتميّز به من مهارات اجتماعية نجح في إقناع المنذر ونشر الإسلام في الإقليم، بالإضافة لذلك تولّى مسؤولية نقل العديد من الرسائل المتبادلة بين النبي ﷺ وزعماء البحرين. ثم أعاد الخليفة أبوبكر الصديق تولية العلاء رضي الله عنهما على البحرين بالإضافة لتكليفه بقيادة الجيش لمجابهة التمرد المحدود فيها بعد وفاة النبي ﷺ.- عمال آخرون: أرسل النبي ﷺ قدامة بن مظعون برفقة أبي هريرة رضي الله عنهما لاستلام صدقات أهل البحرين، حيث بلغت في بعض الروايات 80 ألف دينار، ممّا يثبت أهمية إقليم البحرين وثراءه، وكانت أكبر مبلغ يصل لخزينة الدولة الإسلامية. كما كلّف النبيﷺ الصحابي أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه بمهمة استلام ونقل بقية أموال الصدقات من البحرين إلى المدينة.- إدارة البحرين: ولاء وإنجاز: بعد دخول إقليم البحرين إلى الدين الإسلامي، أصبح نموذجاً يُحتذى به في تطبيق القيم الإسلامية. تجسّد ذلك من خلال قياداته مثل المنذر بن ساوى والعلاء بن عبدالله الحضرمي، اللذين أسهما في نشر الإسلام وتعزيز قيمه. فكان المنذر مثالاً للقيادة الرشيدة، حيث اعتمد على الشورى والتفاهم مع القبائل، ممّا ساهم في تعزيز الوحدة المجتمعية. في حين أظهر العلاء رضي الله عنه أهمية العلم والمعرفة في الإدارة، حيث تولّى مسؤوليات الصدقات ونقل الرسائل، الأمر الذي يعكس قيم الأمانة والتضحية. بينما كان العمال مثل قدامة بن مظعون وأبو عبيدة عامر رضي الله عنهما، نموذجاً للعمل الجماعي والتفاني في خدمة الأمة. إنّ تجربة البحرين تؤكد لنا ثقل البحرين وعمقها ومكانتها الإسلامية عند الدولة الإسلامية بدءاً منذ عهد النبوة، كما يمكننا استنباط قيم عديدة مثل القيادة الحكيمة، والتعاون المجتمعي، والتفاني من هذه التجربة، ممّا يجعلها ملهمة للأجيال المعاصرة في بناء مجتمعات قوية ومتماسكة.* باحثة أكاديمية في التاريخ الحضاري للخليج العربي