فيديو

خالد عجلان.. نصف قرن في البحر

حوراء مرهون

عندما يأخذك النوخذة في رحلة عبر الزمن

على متن «بانوش» بعمر 75 عاماً، أخذنا النوخذة خالد عجلان -من أهالي المحرق- في رحلة عبر الزمن ليسرد لنا ذكريات أيامه الجميلة في البحر، بعد أن أمضى خمسين عاماً يتنفس هواءه، وهذه رحلة «شغف» جديدة.


يحكي عجلان عن بداياته مع البحر: «في سبعينات القرن الماضي، كنت طالباً بمدرسة عبدالرحمن الناصر، هربت من المدرسة برفقة أصحابي من المحرق عبدالله سلمان الديك، وأحمد بطي، وإبراهيم علي بطي، واتجهنا إلى البحر القريب جداً لبيوتنا قبل التغيرات العمرانيـــــــــة الحديثة، وكنا نسير مسافة دقيقتين لنصل إلى ملاذنا.. البحر».
يُذكر أن عجلان ولد في العام 1969 وعمل في البحر منذ طفولته، وتدرج من المهن البسيطة إلى أن أصبح «نوخذة»، حيث عمل في نقل معدات خشب الصنوبر للعمل في البانوش، وإحضار الماء والثلج للطاقم.
تدرب عجلان على يد النوخذة عبدالله المقهوي من أبناء عائلة الحادي، ويذكر بأنه تعلم أصول البحر على يده بفضل شدته وحزمه في البحر، وكان صديقاً لابنه جمال الذي أصبح الآن بحاراً يرافق عجلان صعود الموج.
يضحك عجلان مستذكراً بعض لحظات التعب ويقول: «كان الفنان عبدالحسين عبدالرضا يردد خل فلوسك في الشمس واقعد في الظلال، وعبدالله المقهوي فعل العكس، فقد كان يحرمنا شرب الماء البارد في الصيف، لاعتقاده بأن فتح وغلق البراد سيتسبب في ذوبان الثلج، فيحافظ على الثلج، ونتعب نحن».
بحسرة يقف ممسكاً بِـ«الدقل» وهو العمود الذي يثبت شراع السفينة ويستذكر أيامه الجميلة: «حتى السلام في أيامنا له طعم آخر، لا يكفي أن تسلّم على الشخص جالساً، ولكن الاحترام يفرض عليك أن تقف تبجيلاً لمن يلقي التحية».
وعن شحّ السمك يقول: «انتهى زمننا الجميل، وقلّ السمك لأسباب كثيرة أولها: تغير المناخ، كثرة الأيدي العاملة، وتأجير سجلات الصيد للأجانب».
50 عاماً في البحر كانت كفيلة بتربية عجلان وغيره ممن عملوا في البحر على أخلاق البحرينيين وأصلهم الطيب، حيث يذكر عجلان بأن البحر علمه الصبر، الأخلاق، السعي نحو الرزق واحترام الكبير.
ويضيف: «نحن بحّارة البحرين قضينا أياماً جميلة ملؤها تعاون ومحبة، أنا وأصدقائي من رأس الرمان والدير والمحرق ومختلف مناطق البحرين، حين نبحر ونرى منطقة صيد وفير، يبتعد كل منا حتى لا يزاحم الآخر على الرزق، ويترك له مجال صيد؛ لأن الأهم هو التعاون، وليس التنافس في الرزق، وهذا ما نراه يوشك على الاندثار بسبب دخول بعض الأفكار الغريبة للبحر».
وعن الحلول لشحّ السمك قال: «الرزق في البحر بيد الله وحده، لكنني أتمنى أن يطبق القانون الصحيح بمنع الغزول من الهيرات؛ لأن الهيرات مربى السمك فيه يتجمع ويتكاثر، وحين نضع الغزل نقتل كل هذه البيئة الغنية، ويصبح لدينا بيت دون صغار من السمك». وأضاف: «لا يعني منع الغزل بأن رزق البحّارة سينتهي؛ لأن البحّار المحترف يجب أن يبحث عن حلول في البحر، والرزق في كل مكان».
وأكد عجلان بأن البحارّة قديمًا كانوا يمضون أياماً وأشهراً في رحلات الغوص، ويضطرون للاعتماد على أنفسهم في الطبخ، ويتجهون مساءً لمنطقة تسمى «البندر» وهي خور عميق ومكان آمن للاستقرار فيه مساءً.
وأبرز الأطباق التي تتسيد المائدة آنذاك: «المجبوس والمحمّر»، وتُسمّى هذه الوجبة «عشاها غداها»، وتكون عصراً في وقت يتوسط وقت الغداء والعشاء لتكون الوجبة الوحيدة بينهما، ويقضون وقتهم ليلاً في السمر والنهمة.
أما عن أبرز الأمثال التي يتداولها البحارّة قديماً، فقد ذكر عجلان بعضاً منها وهي: «طبعان دوس على تريجة» ومعناه بأنه إذا واجه أحدهم مشكلة ليس لها حل يجب ألا يهتم أو يكترث ويترك المركب يغرق، بمعنى آخر لا يهمني إن غرق المركب أو لم يغرق.
كما ذكر مثل آخر: «وينك ووين السرايات»، وتعني السرايات موسم الهواء الشديد، بمعنى أنت لا تضاهيني في الشدة.
ختاماً؛ يأمل خالد عجلان بالحفاظ على التراث البحريني وتوثيق حكايات البحر والبحارّة، وتطوير المنظومة التشريعية للحفاظ على الثروة السمكية وتمكين البحارّة البحرينيين ودعمهم بشكل أكبر.