قبل أيام تفاجأ عملاء أحد بنوك الغرب بأن أرصدتهم تحوّلت إلى «صفر» وواجهوا صعوبة في الوصول إلى حساباتهم عبر الإنترنت أو الهواتف، واستمر هذا الوضع لمدة 8 ساعات، لكن الطريف في الأمر أن المديونيات التي كانت على العملاء لم تختفِ، بل كانت هي الظاهرة أمامهم فقط بينما أموالهم تبخّرت.وعلى الرغم من عودة الأنظمة والحسابات لطبيعتها بعد إصلاح الخلل، إلا أن الحدث أثار أسئلة كبيرة بشأن أمان الحسابات البنكية في العالم الافتراضي، وهل يُمكن أن يفقد العميل أمواله، أو على الأقل لا يستطيع الوصول إليها بسبب خلل تقني قد يحدث من البنك أو من أي جهة أخرى.هذا الخبر جعلني أتذكر ما حدث لبعض عملاء البنوك من مواطني دول مثل روسيا والصين والذين استيقظوا على قرار مصادرة ممتلكاتهم بسبب خلاف الغرب مع دولهم، وجعلني الخبر أتخيل.. ماذا لو اختلفنا في الرأي أو السياسات مع إحدى الدول الكبرى التي تسيطر على حركة الأموال حول العالم، وكيف يمكن أن نثق بتلك البنوك بعد ما شاهدناه في الآونة الأخيرة؟قد يردّ البعض بأن القوانين والتشريعات الدولية تحمينا، وهو طبعاً ردٌّ ساذج لا يُسمن ولا يُغني من جوع، خاصة وأن ازدواجية المعايير اليوم حدّث ولا حرج، والقوي هو صاحب الحق في تنفيذ القانون على الضعفاء، بينما يفلت الأقوياء من أي حساب وعقاب.الأمر الأكثر خطورة اليوم بشأن الثقة في المنظومة الدولية، هو ما يُمكن أن يحدث لنا ولأبنائنا، فاليوم جميعنا يحمل أجهزة هواتف وكمبيوتر وأجهزة لوحية وسماعات وساعات وعشرات الأجهزة الإلكترونية، ونثق بها فنضعها في جيوبنا وننام إلى جوارها ونترك أطفالنا يحتضنونها.. فهل يمكن أن نكون يوماً ما هدفاً سهلاً، حال غضب علينا «الصانع» أو لم تعجبه سياسات دولنا؟هل يمكن أن يرسل لنا العدو عبر «سلاسل توريد» وسيطة، مواد غذائية أو أدوية ومنتجات استهلاكية أخرى، يدسّ فيها السمّ دون أن ندرك ذلك؟ خاصة وأننا اليوم نستورد 80% من الغذاء والدواء والمستحضرات التجميلة وكل شيء تقريباً مما لا أستطيع حصره في هذه المساحة.الأسئلة المطروحة ليس ضرباً من الخيال أو خروجاً عن المعقول، ولكنها الأسئلة الأهم حالياً والتي في حاجة لإجابات تجعلنا مستعدين لمثل هذه الاحتمالات، وأن يكون لدينا حلول ممكنة وبدائل أخرى، وأن نعتمد على أنفسنا بأكبر قدر ممكن، وأن نتحالف مع إخوة وأصدقاء «حقيقيين».ولئن كنا لا نستطيع أن نغير المعادلات لإبعاد أكبر نسبة من تلك الأسلحة والقنابل الموقوتة عن بيوتنا وأبنائنا، فعلينا أيضاً أن نراقب وبشدّة وقوة كل ما يأتينا من هؤلاء الذين سقطت أقنعتهم وانكشفوا، وصرّحوا دون خجل أنهم على استعداد لقتل كلّ من يعارضهم.لقد بدأ زلزال كبير في الثوابت القيَمية، لكن آثار هذا الزلزال لم يتمّ قياسها حتى الآن، لأن تلك الآثار ستمتد لحقبة جديدة وعصر سيتجاوز مرحلة ما بعد التكنولوجيا، وربما سنعود إلى عصور قبل الثورة الصناعية، ولكن بشكل وأنماط مغايرة لا أستطيع أن أصفها أو أتوقع نتائجها، إلا أن المؤكد لنا اليوم أن وجه العالم سيتغيّر وأن الوجه القادم لن يكون أفضل من سابقه.* قبطان - رئيس تحرير جريدة «ديلي تربيون» الإنجليزية
الرأي
خطورة سقوط الأقنعة
07 أكتوبر 2024