الرأي

«اليوم الأوروبي للغات».. التعدّدية والتنوع الثقافي

في عالم متعدد اللغات، وتسود قائمته اللغة الإنجليزية تسعى الدول في مختلف أنحاء العالم إلى الحفاظ على لغتها الأم، من منطلقات تتعلق بالهوية الوطنية، التراث الثقافي، والتعليم، فالحفاظ على اللغة الأم يُعتبر جزءاً أساسياً من حماية الثقافة والتقاليد الفريدة لكل مجتمع، ويعزز الشعور بالانتماء والهوية لدى الأجيال الحالية والمستقبلية.

.

وفي هذا الشأن بذلت دول أوروبا جهوداً كبيرة لتوحيد مساعيها في الحفاظ على تعددية اللغات، وذلك بالنظر إلى التنوع الكبير في لغاتها وثقافاتها الذي يعكس اتساع رقعتها الجغرافية وتاريخها الطويل. هذا التعدد اللغوي يُعدّ ثروة ثقافية، وقد عملت الدول الأوروبية، بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، على تعزيز هذا التنوع وحمايته من خلال مجموعة من السياسات والمبادرات.

.

ومن بين هذه المبادرات «اليوم الأوروبي للغات» التي أُطلقها مجلس أوروبا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي في عام 2001، وذلك خلال الاحتفال بـ»السنة الأوروبية للغات»، وذلك بهدف تعزيز التنوع اللغوي والثقافي في أوروبا وتشجيع تعلم اللغات، والعمل على زيادة الوعي بأهمية تعلم اللغات، سواء لأسباب مهنية أو شخصية، وأيضاً إلى الاحتفاء بالتنوع اللغوي الموجود في أوروبا.

.

وقد امتدّ الاحتفاء بهذا اليوم خارج القارة الأوروبية وصولاً إلى سائر القارات، ليقام في مختلف البلدان بقطع النّظر إن كانت “فرنكوفونية” أو “أنجلوفونية” أو غير ذلك، ومن خلال الاحتفاء بهذا اليوم، يعمل مجلس أوروبا والاتحاد الأوروبي على تشجيع الأنشطة والفعاليات التي تدعم تعلم اللغات، وتعزز التعرف على مختلف الثقافات، حيث يتم تنظيم الفعاليات في المدارس والجامعات والمعاهد الثقافية، أو مؤسسات الضيافة، ويشارك فيها المعنيون بتعليم أو تعلم اللغات من جميع الأعمار.

.

فقد نظمت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى البحرين، الممثل الدبلوماسي الرسمي للاتحاد الأوروبي في مملكة البحرين، بالتعاون مع مختلف الشركاء الأوروبيين، نهاية الأسبوع الماضي احتفاء بـ «اليوم الأوروبي للغات» وذلك بفندق موفنبيك، فعاليات تضمنت مشاركة 18 لغة مختلفة بحضور تمثيل لمختلف الدول الأوروبية المعنية، وتعدّ مشاركة عالية، باعتبار وجود 24 لغة رسمية في أوروبا.

.

حيث تم تسليط الضوء على مختلف اللغات والثقافات، وفرص التعليم لمختلف اللغات، وإمكانية التبادل الثقافي والتعرف على العادات والتقاليد، وأهمية الحفاظ على التراث اللغوي، وتشجيع تعلم اللغات، وتعزيز الترجمة والتفسير والمهن الأخرى المتعلقة باللغات، ودور كل ذلك في تحقيق التقارب والتفاهم بين الثقافات.

.

كما كان التركيز على مشاركة الطلبة من مختلف المراحل التعليمية بمملكة البحرين في إبراز تعدد وتنوع اللَغات بأوروبا وكذلك التعرف على مختلف اللغات، وضمن فعاليات الاحتفاء أقيمت ورشات لغوية حول الموائد المستديرة إلى جانب فقرات غنائية وعروض رقص، بالإضافة إلى الألعاب والمسابقات، وقد اختتمت بمأدبة عشاء.

.

وفي هذا الإطار لعل أبرز ما اختزل أهمية الحفاظ على اللغة الأم، ما كتبه ميكالوجوس داوكسا، ناشر أول كتب باللغة الليتوانية، في فصله «مقدمة للقارئ الخيري» من كتابه «بوستيلي» في عام 1599، «ليس من خلال خصوبة الأرض، ولا من خلال تنوع الملابس، ولا من خلال جمال البلاد، ولا من خلال قوة المدن والقلاع، تعيش الأمم، ولكن بشكل أساسي من خلال الحفاظ على لغتها واستخدامها، مما يزيد ويحافظ على الوحدة والانسجام والحب الأخوي. اللغة هي الرابطة المشتركة للحب، وأم الوحدة، وأب المواطنة، وحارس الدولة».