ولاء الجمعان
في كتاب «الهدوء: قوة الانطوائيين في عالم لا يتوقف عن الكلام» للمؤلفة سوزان كين، عمل رائع تجلّت فيه قوة الانطوائيين. من هذا المنطلق، وكشخص انطوائي، أشعر أنه يجب التحدث وأخيراً عن الانطوائية، وأنصح من لديه طفل أو من يشعر أنه انطوائي أن يقرأ هذا الكتاب المفيد، بما فيه من نصائح تُعين في تربية واكتشاف الطفل الحساس.
.
من هو الانطوائي؟
يكتسب الانطوائي طاقته من انعزاله عن الناس؛ فهو على عكس الانبساطي تماماً، يعشق الوحدة ويجدها ملجأ له، ولا يستطيع إنجاز شيء كالكتابة وسط أعداد كبيرة من الأشخاص. ويتمكّن الانطوائي عادةً لعب دور الانبساطي، ولكن إذا بالغ في لعب هذا الدور، فسيتسبّب هذا الشخص بالإنهاك والإرهاق لشخصيته، الأمر الذي يستغرق المزيد من الراحة حتى يستعيد النمط الذي يريحه.
الانطوائية في طور النمو
في مطلع التسعينات قام عالم النفس الأمريكي جيروم كاغان بتجربة على الأطفال الرُّضع، حيث قام فيها بتعريض الرضع لمؤثرات حسيّة، وكان الذين يُبدون تفاعلاً كبيراً مع المؤثرات السمعية والحسية والبصرية والذوقية هم من الأشخاص الانطوائيين، لأنه من كان لديه «لوزة المخيخ» في رأسه قابلة للاستثارة بصورة استثنائية، يشعرون بالحذر عند مقابلة الأشخاص الجدد، وعندما يكبرون فإنهم ينزعجون أكثر من الأصوات والضجيج والضوء الساطع ولديهم حساسية أكبر للنقد، ويميلون إلى نقد أنفسهم، ويفكرون كثيراً في كلامهم قبل الحديث به، فنسبة من هؤلاء يصبحون خجولين أيضاً؛ لأنهم يخافون من ردة الفعل والنبذ الاجتماعي، ولكن يمكن التغلب على هذا الخجل عبر التدريب والثقافة العامة والتربية.
.
كلّيات عالمية لا تقبلهم.. ومبدعون وقادة عالم تميّزوا بانطوائيتهم!
قد تُدهش من هذا، ولكن كلية هارفارد للأعمال لا تقبل الانطوائيين بالانتساب إليها، وأنه يجب على المُتقدّم أن يكون شخصاً انبساطياً، فمن وجهة نظرهم، أن القادة يميلون إلى التصرّف بثقة، ويتخذون القرارات الحازمة في مواجهة المعلومات الناقصة، وهذا لا يتناسب مع الشخص الانطوائي، فهو بطبعه يحب التأمل والتفكير. ولعل من أشهر القادة الانطوائيين المهاتما غاندي، مؤسس الدولة الهندية الحديثة، وكثير من المبدعين كانوا منعزلين أيضاً مثل ألبرت آينشتاين وإسحاق نيوتن.
.
الانطوائية في الإسلام
ومن منظور إسلامي، فقد كان سيدنا موسى -عليه السلام- انطوائياً أيضاً، فعندما طلب منه الله التوجه إلى فرعون قال أرسل معي شقيقي الانبساطي هارون، في قوله تعالى: (وَإِذ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائتِ القَومَ الظَّلِمِينَ، قَومَ فِرعَونَ، أَلَا يَتَّقُونَ، قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ، وَيَضِيقُ صَدرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرسِل إِلَى هَرُونَ) سورة الشعراء.إن الانطوائية ليست عيباً ولا مرضاً، بل هي نمطٌ من أنماط الشخصية يولد به الإنسان، ويُعزّز بالتربية أو البيئة، وقد كان هناك الكثير من المبدعين المنعزلين في التاريخ، فلم تؤثر الانطوائية قط على إبداعهم ولا أخفت أسماءهم من العالم بمجرد اختبائهم. كن فخوراً بانطوائيتك دائماً، فأنت ذو بريق خاص.