الرأي

رسائل ذكية في كلمة سمو ولي العهد رئيس الوزراء

ظهرت البحرين بقوة خلال القمة الأولى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأوروبي التي عقدت في بروكسل الأسبوع الماضي، حين مثّلها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء نيابة عن جلالة الملك المعظم، ولفت أنظار العالم بخطاب ذكي استخدم فيه أسلوب التدرّج الدرامي الذي حقّق الهدف من الكلمة.فقد بدأ سموه بالتعريف بالعلاقة التاريخية التي تربط مجلس التعاون بالاتحاد الأوروبي والتقارب في التطلعات المشتركة نحو الاستقرار والسلام والازدهار العالمي، ونوّه بالمبادئ التي تجمع كلتا المؤسستين العظميين في العالم، والرؤية المشتركة لتعزيز الأمن والاقتصاد، بناء على التطلعات المتقاربة والمبادئ الجامعة لكلا الجانبين، وهي أمور يسعى الجميع لتحقيقها، ولكن.فبعد أن استدرج سموه الحضور إلى منطقة العوائد الإيجابية لهذا الاجتماع وتلك القمة الأولى، ولفت انتباه الجميع إلى ما يمكن تحقيقه من منافع، حيث أفسح الطريق لتخيلاتهم بشأن هذا المستقبل المزدهر، ثم إذا به يعود فجأة بالحضور إلى أرض الواقع، وكأنه يوقظهم من أحلام سعيدة، مؤكداً أن تلك الأحلام لن تتحقّق إلا عبر وقف فوري لإطلاق النار في غزة واعتماد طريق لا رجعة فيه نحو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة.وكأن سموه أراد بهذه المقدّمة الوردية أن يريهم السمن والعسل، ثم ينتقل بهم إلى التحذير من نقصانهما، وأرجع السبب في ذلك إلى ما يحدث في منطقتنا من حروب ودمار، لن يكون لها سوى تداعيات كارثية على العالم أجمع، وليس الاتحاد الأوروبي فقط.ثم انتقل سموه في فقرة جديدة إلى تحديد آليات العمل لجني ثمار الازدهار، وذلك من خلال إجراء إصلاحات شاملة و«مدعومة بالإجماع» في جميع المؤسسات العالمية بما فيها الأمم المتحدة، وهنا تظهر بجلاء الفطنة الكبيرة التي يتمتع بها سموه، حين ربط الإصلاحات بضرورة إيجاد دعم «جماعي» لها، فلا يصح أن تشذ دولة عن باقي الأمم وتعرقل مصالح الكل لتحقيق مصالحها الفردية، وهذا ما لم ينطقه سموه صراحة، ولكن عبّر عنه بكلمتين فقط.وفي المرحلة قبل الأخيرة من خطاب سموه، حث المجتمع الدولي -من منطلق روح الشراكة- على تنفيذ مبادرة جلالة الملك المعظم بعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، والذي يمثل مفتاح تشغيل آليات العمل المحققة للاستقرار والازدهار لكل دول العالم.واختتم سموه كلمته بإعادة المستمعين إلى منطقة الجذب مرة أخرى، مشيراً إلى المصالح التجارية التي تربط دول التعاون بالاتحاد الأوروبي، حين ذكّرهم بأن الاتحاد الأوربي اليوم يُعدّ «أكبر كتلة تجارية» لمجلس التعاون، والذي يؤكد مدى قوة العلاقة، وانتهز اللحظة ليحث المجتمعين على الانطلاق إلى تفعيل المبادرة الملكية السامية.ثم غلّف سموه الكلمة بخلاصة موجزة أكد فيها أن الطريق لن يخلو من العقبات، لكن الهدف المشترك وبناء المستقبل لن يتحقّق إلا بالسلام وتعزيز الشراكات الحقيقية.قد لا أكون قدّمت كل تفاصيل كلمة سمو ولي العهد رئيس الوزراء، فما استطعت إيجازه هنا هو غيض من فيض، إلا أنه يؤكد على أن قائل هذه الكلمات شخصية فذة نفخر بها في البحرين.