الرياض - (وكالات): صعدت السعودية أمس موقفها تجاه لبنان بالطلب من رعاياها مغادرته وعدم زيارته، بعد أيام من وقف مساعدات عسكرية مخصصة له بسبب مواقفه «المناهضة» للمملكة التي عزتها «لمصادرة» حزب الله، حليف طهران ودمشق، إرادة الدولة. وبعيد صدور الموقف السعودي، أعلنت الإمارات «منع» رعاياها من السفر إلى لبنان وخفض بعثتها الدبلوماسية في بيروت إلى «الحد الأدنى». ويأتي الموقف الجديد رغم تأكيد الحكومة اللبنانية إثر جلسة استثنائية عقدتها أمس الأول لبحث وقف المساعدات السعودية، التمسك «بالإجماع العربي في القضايا المشتركة»، ونيتها التواصل مع الدول الخليجية لإزالة «أي شوائب» في العلاقة معها خلال الفترة الماضية. ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية «واس» عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية أنها «تطلب من جميع المواطنين عدم السفر إلى لبنان حرصاً على سلامتهم، كما تطلب من المواطنين المقيمين أو الزائرين للبنان المغادرة وعدم البقاء هناك إلا للضرورة القصوى». ودعت الوزارة هؤلاء إلى «توخي الحيطة والحذر والاتصال بسفارة المملكة في بيروت لتقديم التسهيلات والرعاية اللازمة». وبعيد الإعلان السعودي، نقلت وكالة أنباء الإمارات «وام» عن وزارة الخارجية والتعاون الدولي «أنها رفعت حالة التحذير من السفر إلى لبنان إلى منع السفر إليه، وذلك اعتباراً من الأمس». وقررت الوزارة «تخفيض أفراد بعثتها الدبلوماسية في بيروت إلى حدها الأدنى»، وأنها تنسق ليكون ذلك «موضع التنفيذ الفوري». وكانت الحكومة اللبنانية التي تضم مختلف المكونات السياسية وبينها «حزب الله» وحلفاؤه، و»قوى 14 آذار» المقربة من السعودية، حاولت استدراك الموقف السعودي، بإصدار بيان مشترك تلاه رئيسها تمام سلام. وأكد البيان «وقوفنا الدائم إلى جانب إخواننا العرب، وتمسكنا بالإجماع العربي في القضايا المشتركة الذي حرص عليه لبنان دائماً»، مشدداً على أن لبنان «لن ينسى للمملكة» دعمها له خلال العقود الماضية، أكان في الشق السياسي، أو من خلال الدعم الاقتصادي والمالي. واعتبر مجلس الوزراء أنه «من الضروري تصويب العلاقة بين لبنان وأشقائه وإزالة أي شوائب قد تكون ظهرت في الآونة الأخيرة». وتمنى المجلس على سلام «إجراء الاتصالات اللازمة مع قادة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تمهيداً للقيام بجولة خليجية على رأس وفد وزاري لبناني لهذه الغاية». وكانت الدول الخليجية وأبرزها السعودية، بدأت بتحذير رعاياها من السفر إلى لبنان بعد أشهر من اندلاع النزاع في سوريا المجاورة منتصف مارس 2011. وفي 2013، حثت السعودية رعاياها على المغادرة، دون أن يصل الأمر إلى طلب ذلك منهم بشكل مباشر.من جانبه، قال رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إن «حزب الله» وضع لبنان في مواجهة مع السعودية من خلال وقوفه ضد سياساتها في المنطقة وقتاله في سوريا والبحرين واليمن والعراق، بينما عبرت شخصيات فاعلة أخرى عن تأييدها السعودية ورفضها تغييب لبنان عن محيطه العربي.وانتقد جعجع بيان الحكومة الأخير حول علاقة لبنان بالسعودية، قائلاً إنه لا يستجيب للأزمة ويتجاهل جوهر المشكلة، وهي أن حزب الله يخوض مواجهات في سوريا والعراق والبحرين واليمن، حسب تعبيره.وفي السياق نفسه، نظمت وفود حزبية وشعبية لبنانية وقفة أمام السفارة السعودية ببيروت تضامناً مع المملكة «ضد الحملة التي تتعرض لها من قبل بعض القوى السياسية اللبنانية». وقال السفير السعودي علي عواض عسيري خلال استقباله وفداً من تيار المستقبل «نتطلع أن نرى لبنان آمناً ومستقراً وأن يملأ الفراغ الرئاسي بمن يستحقه»، داعياً إلى «التفكير العميق» في ما يمر به لبنان في ظل «وجود شريحة تؤذيه». كما أكد حرص المملكة على تمكين الدولة اللبنانية من النهوض، مشيراً إلى أن «لبنان أقوى من كل ما يحاك ضده وسيبقى قوياً». ويشهد لبنان انقساماً حاداً منذ أعوام خصوصاً على خلفية النزاع السوري، بين قوى 14 آذار المناهضة للنظام والقريبة من السعودية، وحزب الله وحلفائه من جهة أخرى. وتحمل «14 آذار» الحزب الذي يقاتل إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد، مسؤولية الانقسام الداخلي لا سيما الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية المستمر منذ ما يقارب العامين. وكررت القوى خلال الأيام الماضية موقفها الرافض لقتال الحزب الشيعي في سوريا، محذرة من انعكاس مواقفه على مصالح مئات الآلاف من اللبنانيين الذين يقيمون في دول الخليج منذ عقود، وتشكل تحويلاتهم المالية إلى بلدهم الأم رافداً أساسياً لاقتصاده. وتصاعد الموقف ضد الرياض منذ قطعت علاقاتها مع طهران، أبرز الداعمين مالياً وعسكرياً للحزب، مطلع يناير الماضي. وشكل امتناع لبنان عن التصويت على بياني إدانة لهذه الهجمات صدرا عن اجتماع لوزراء خارجية جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، أبرز الأسباب التي دفعت السعودية إلى إعلان قيامها «بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية». وقررت الرياض وقف مساعدة عسكرية بقيمة 3 مليارات دولار للجيش اللبناني كانت مخصصة لشراء أسلحة من فرنسا، إضافة إلى ما تبقى من مليار دولار إضافي للجيش وقوى الأمن الداخلي والأجهزة الأمنية. واتهمت السعودية حزب الله بـ «مصادرة إرادة الدولة».