غياب قانون يدفع القاضي لقواعد «المدني»
دعت الباحثتان القانونيتان بالجامعة الملكية للبنات فاطمة المهزع ودلال القاسم المشرع البحريني لسن قانون مستقل للمسؤولية الطبية وتجنب الاعتماد على القواعد العامة للمسؤولية المدنية، وذلك نظراً لجسامة الأضرار الناتجة عن الخطأ الطبي واستمرار آثارها في حال حدوث عاهة مستديمة أو الوفاة بالنسبة للورثة، ونظراً لأن وجود قانون مستقل سوف يسهم في تحسين الرعاية الصحية وضمان سلامة المرضى، وذلك من خلال وضع قواعد خاصة تتلاءم مع طبيعة الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية.وأوضحتا في بحث بعنوان «نطاق المسؤولية المدنية عن أخطاء الطاقم الطبي» أن عدم وجود القانون يدفع القاضي إلى الاستناد إلى القواعد العامة في القانون المدني، على الرغم من أن للمسؤولية الطبية عناصر خاصة تعود لحساسية المهنة واتصالها بشكل مباشر بجسم الإنسان وسلامته.وقدمت الباحثتان تعريفاً لأنواع المسؤولية القانونية عن الأخطاء الطبية من حيث المسؤولية التأديبية أو الجنائية والمدنية، وصور الخطأ الطبي سواء الجسيم أو اليسير، والعمدي وغير العمدي، والأخطاء المتعلقة بالإنسانية الطبية مثل عدم إعلام المريض أو عدم الحصول على رضاه، بالإضافة إلى إفشاء السر المهني.وأشارتا إلى دور الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية «نهرا» في الرقابة على أعمال الأطباء والنظر في دعاوى الأخطاء الطبية باعتبارها المسؤولة عن التحقيق في الدعاوى عن هذا النوع من الأخطاء بالإضافة إلى عقد جلسات استماع تأديبية للمهنيين الصحيين.ونوهت الباحثتان بلقاء مع استشاري طب طوارئ الأطفال ومراقب أخلاقيات المهن الطبية د. غادة القاسم ، حول الحملات الإعلامية الناقدة لكثرة الأخطاء الطبية في البحرين، حيث قالت القاسم: ربما كانت الحملات الإعلامية التي تنطلق بين الحين والآخر مبنية على التعاطف مع المرضى، ولكن القول بعدم وجود رقابة في هذا المجال هو ادعاء غير صحيح، حيث إن «نهرا» هي الجهة المختصة بالنظر في مدى وقوع الخطأ الطبي أو المخالفة المهنية من خلال التحقيق في الشكاوى والقضايا المقدمة أو المحالة إليها، وتوقيع العقوبات التأديبية في حال ثبوت الخطأ الطبي.وقالت القاسم: إن طريقة تعامل بعض وسائل الإعلام مع حالات شبهات الأخطاء الطبية تضر بسمعة الخدمات الطبية في مملكة البحرين، حيث لوحظ في الأخبار المتعلقة بالأخطاء الطبية الجزم بوقوع الخطأ والإدانة المباشرة للطبيب وهذا غير مقبول، فبحسب إحصائيات الهيئة الوطنية لتنظيم المهن والخدمات الصحية لعام 2022، تم تلقي 266 شكوى وإثبات الخطأ الطبي في 43 حالة فقط، أي أن معظم الشكاوى المقدمة للهيئة لم يثبت فيها وقوع الخطأ الطبي.وخلصت الباحثتان إلى أن الطب الحديث يفرض تعاون الأطباء والمساعدين وإجراء العمليات الجراحية بشكل جماعي، ويترتب على ذلك تحديد الطرف المسؤول عن الخطأ الطبي، وغالباً ما يكون الطبيب المعالج هو المسؤول عن خطأ مساعديه.كما أنه لا يوجد قانون مستقل للمسؤولية الطبية في البحرين؛ مما يدفع القاضي إلى الاستناد على القواعد العامة في القانون المدني في المقام الأول أخذاً منه ما يمكن تطبيقه لثبوت أركان المسؤولية المدنية وقيامها، على الرغم من أن للمسؤولية الطبية عناصر خاصة، وذلك يعود لحساسية المهنة واتصالها بشكل مباشر بجسم الإنسان وسلامته.وأوضحتا أن عبء إثبات الخطأ الطبي يرتبط بطبيعة الالتزام الذي قام الطبيب بالإخلال به، وذلك فيما إذا كان ملتزماً ببذل عناية أم تحقيق نتيجة، إذ يقع عبء الإثبات في الالتزام ببذل عناية على المريض، فيكون ملزماً بإثبات التزام الطبيب بعلاجه، بالإضافة إلى إثبات عدم التزام الأخير ببذل العناية المطلوبة منه أثناء العلاج ووقوع الضرر عليه. وبالمقابل، في حال الالتزام بتحقيق نتيجة، يكون المريض مسؤولاً عن إثبات عدم تحقق النتيجة فقط ليكون الخطأ مفترضاً غير قابل لإثبات العكس، ولا يمكن أن يتخلص الطبيب من هذه المسؤولية إلا في حال إثبات أن عدم التنفيذ يعود لسبب أجنبي.وأشارتا إلى إمكانية إثبات الخطأ الطبي بكافة طرق الإثبات، والتي تشمل الخبرة وشهادة الشهود بالإضافة إلى القرائن القضائية والكتابة، ويمكن قبول كافة وسائل الإثبات القانونية عند وقوع الأخطاء المتعلقة بالإنسانية.وبينتا أن المسؤولية المدنية للطبيب لا تقوم حتى يثبت المريض توافر ركن الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما، لأن الهدف من المسؤولية المدنية جبر الضرر الواقع على المضرور، وبذلك يستحق المريض التعويض عما لحقه من خسارة وما فاته من كسب سواء كان الضرر مادياً أو معنوياً، وللمريض أن يرفع دعوى التعويض على المستشفى أو الطبيب أو التابع، كما لا يوجد ما يمنع أن يرفع دعوى عليهم بالتكافل والتضامن. وسلطة تقدير التعويض تعود للقاضي فله تحديد طريقة التعويض ومقداره لجبر الضرر الناتج عن الخطأ الطبي.وأوصت الباحثتان المشرع البحريني بإعداد قانون مستقل للمسؤولية الطبية وتجنب الاعتماد على القواعد العامة للمسؤولية المدنية بشكل مطلق، وذلك نظراً لجسامة الأضرار الناتجة عن الخطأ الطبي واستمرار آثارها في حال حدوث عاهة مستديمة أو الوفاة بالنسبة للورثة.وطالبتا أن يشتمل القانون المستقل على توضيح لا لبس فيه بشأن مسألة التعويض عند وقوع خطأ طبي، وضرورة تفادي الرجوع إلى القواعد العامة للتعويض في المسؤولية المدنية، وذلك نظراً الجسامة الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية وطابع الاستعجال فيها، حيث يجب أن يكون للتعويض عن الخطأ الطبي تقديره الخاص وقواعده الخاصة لشدة تأثيره على المريض وورثته، بالإضافة إلى جسامة الخطأ المهني الذي يختلف كثيراً عن خطأ الشخص العادي.واقترحتا وضع تدابير وقائية - من خلال التشريعات أو اللوائح - يلتزم بها جميع الأطباء خلال الفترة التي تسبق العلاج، وذلك سعياً لضمان التشخيص الصحيح للمريض وتجنباً لوقوع أخطاء طبية تعود إلى خطأ في التشخيص.وأكدتا على أهمية إخضاع الطبيب المخطئ لدورات تدريبية في مجال الخطأ الذي ارتكبه، أو العمل تحت إشراف طبيب مختص في ذات المجال لفترة زمنية مناسبة، وذلك لرفع مستوى الطبيب المهني ولتجنب ارتكابه لخطأ مماثل، وذلك بجانب العقوبات ومبالغ التعويض التي يجب استيفاؤها لجبر الضرر.