سُعدت بلقاء الأستاذ علي بن قاسم الغامدي من المملكة العربية السعودية الفائز بجائزة صُنّاع الأمل للعام 2020، وعرفته عن قُرب بقصته العجيبة وعطائه اللامحدود في عمل الخير، فهو يسير على إرث الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله الذي أفنى حياته في العمل الخيري والإنساني في القارة السوداء.
الأستاذ الغامدي يعيش في أفريقيا منذ فترة، وقد سخّر حياته لخدمة الفقراء والمحتاجين وبناء المدارس والمستشفيات بدعم أصحاب الأيادي البيضاء، وبعضها من حسابه الخاص على الرغم من ظروفه المعيشية.
صاحب في صغره الدكتور السميط، وكان لتلك المُصاحبة الأثر الكبير في نفسه، حيث سخر حياته للأيتام والمحتاجين في أفريقيا، وهو يشغل الآن منصب رئيس المنظمة العالمية لرعاية الشباب في أوغندا وشرق أفريقيا.
من الأشياء الجميلة في حياته أنه سخر كل أفراد أسرته للعمل الخيري، حيث تعمل أسرته كفريق عمل يشرف على كافة المشروعات الخيرية، واستقبال الفرق التطوعية، وقد أسلم على يد زوجته أكثر من 1000 شخص، قال صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله على يدك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس».
والعجيب أنه تبنى أحد الأيتام منذ صغره الذي تربى في أكناف أسرته مع بقية أبنائه، إلى أن أضحى اليوم شاباً معطاءً يُشرف على برامج الأيتام في أوغندا.
أعجبتني بعض تغريداته المؤثرة: «أبنائي وبناتي بالاحتضان أو من ذريتي، إذا كبر سني وحان أجلي تذكروا أنني أحببتكم وجعلت حياتي لإسعادكم مُفتخراً بكم، وأمضيتُ عمري لأجلكم، فلا تنسوا المعروف وأهله، وادعو لهم.
وأوصيكم بتقوى الله تعالى والتواضع ومحبة الناس، فالحياة لا تدوم، ولا تغرك الحياة، فأنا كنت مثلك أطمح في ملذات الدنيا». على الرغم من بساطته وبساطة وضعه المعيشي، إلا أنك تقرأ في تقاسيم وجهه، وتستشعر وأنت تسمع كلامه الماتع، أن هناك من تركوا الدنيا وعاشوا من أجل الآخرة، فهم يعدون أنفسهم لصناعة لحظات الرحيل، من أجل أن تكون «أجمل اللحظات». ولأن الأثر يبقى وتجد حلاوته وأنت تتنفس الحياة، فقد التقى مؤخراً في البحرين وعند بوابة أحد الأماكن أحد الأشخاص وسارع بتقبيل يده.
ومن ثم أخبره بأنه أحد الأيتام الذي تربى على يده في أفريقيا، وهو الآن في البحرين بعد حصوله على فرصة عمل. سبحانك يا رب، يأتي الأثر الجميل إلى أمامك ليخبرك بصنيع أفعالك الخيّرة، وصدق نواياك التي لا تتغير وإن تغيرت الحياة وكبر سنك.
إن قصة السميط والغامدي وغيرهم الكثير في أرجاء أفريقيا وغيرها، هي قصص تربية وتعليم لكل فئات المجتمع ولكل الأعمار، فأحياناً تستصغر نفسك وأنت تقابل هؤلاء الأفذاذ أو تقرأ سيرهم.
همهم الوحيد أن يعيشوا لله تعالى وحده، وأن ينشروا الخير، ويُسعدوا من حولهم، ويكونوا سنداً وعوناً للأيتام والمحتاجين، بأسلوب تنموي متجدد يقوم على بناء الإنسان وحفظ كرامته واعتماده على نفسه ليكون مصدراً للإلهام في حياة غيره.
عندما تتحدث عن العمل الخيري والإنساني والتطوعي، فإنما تتحدث عن مشاعر عشناها منذ نعومة أظفارنا، وعن مشاعر ما زلنا نتذوقها في مساحات عمل الخير، وبخاصة في مساحات المؤسسة الملكية للأعمال الإنسانية، حيث تمضي السنوات ويستمر العطاء وتتجدد أساليب التنفيذ، وتتعدد محطات التأثير والأثر الجميل، ويبقى في نهاية المطاف (العطاء الحقيقي) بإسعاد الآخرين وبتذوقهم لمعاني الحياة.
يبقى العطاء بتلك الأخلاق التي نتبادلها معاً، والاحترام الذي نكنه لكل الناس، وبتقدير النعم التي أنعمها علينا المولى الكريم، فالمسلم أينما وقع نفع.
حياة العطاء ليست مُختزلة في أماكن معينة، بل هي عطاء الكون كله، عطاء مرتبط بأثرك في كل موطن تقع فيه ظلالك الوارفة، فأنت مصدر إلهام، وذات متجددة، عليك ألا تشغلها بسفاسف الأمور وبتصادمات الحياة، فإنك والله تخسر لحظات مرت عليك دون أن تكون فيها مؤثراً مُلهماً، أو أن تكون فيها شغوفاً بالتطوع الذي هو بركة الحياة.
نعم عشناها من قبل ونتعايش معها اليوم مع أناس سخروا أوقاتهم لله تعالى وحده، وحوّلوا حياتهم الأسرية والمجتمعية إلى ديمومة من العطاء اللامحدود في ميدان «التطوع والتأثير».
نشد على أيدي كل المتطوعين وكل من بذل وقته وضحى ليكون سفيراً للإنسانية والعمل الخيري داخل وطنه، ورافعاً لراية وطنه في مواطن الإنسانية.
نحتاج إلى تأسيس مرجعية خصبة للمتطوعين بكل أعمارهم، ولأولئك الذين وضعوا لبنات الإسعاد في حياتهم غيرهم.
نحتاج إلى مرجعية تنهض بقيم خدمة الوطن والإنسانية جمعاء تستظل بظلال الأجور الخالدة، من أجل أن نؤسس لبناء تطوعي متكامل يخدم الأجيال المتعاقبة، ويُدرس بصورة عملية في المدارس والجامعات، ويكون أثره بساعات تطوعية عملية في الجمعيات الخيرية.
نعيش اللحظات لنعرف بركة الأعمال الجليلة التي قدمناها، وبركة كل عمل نقدم عليه لنؤثر في حياة الآخرين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن قامت على أحدكم القيامة وفي يده فسيلة فليغرسها».
عمل الخير يستمر حتى آخر لحظات الدنيا.
ومضة أملن
حتاج إلى مراجعة مستمرة لعطاءات حياتنا، ولأنفسنا المُقصرة التي ألهتها ملذات الحياة.
بادروا قبل فوات الأوان، واصدقوا في نياتكم.