انطلاقاً من عالمية الدعوة، وحرصاً من الخلافة الراشدة على تعزيز الوحدة العربية والإسلامية، فإنّ الخلافة بقيادة الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه بعد أن أخمدت الردّة سرعان ما توجهت أنظارها لاستكمال حركة الفتوحات، التي طالت مختلف مناطق وأقاليم الجزيرة العربية، فجعلت هدفها شمال منطقة الخليج العربيّ وبلاد العراق باعتبارها امتداداً طبيعياً لجزيرة العرب ومنازل الكثير من القبائل العربية التي ناصبت الفرس العداء.
مثّلت البحرين قاعدة مهمة للفتوحات بحكم موقعها الجغرافي وأهميتها وثقل العنصر البشري فيها وما يمتلكه أهلها من خبرات، فشارك أهل البحرين بفلذات أكبادهم وقادتهم ورجالهم خاصّة في بلاد العراق وبلاد فارس وبعضهم توجه حتى الشام.
حرصاً منهم على تأمين وحماية دولتهم من الطامعين وسعياً لنشر الإسلام.
حيث عرفت البحرين بأنها موطن العديد من القبائل العربية التي تطلّعت إلى استعادة مكانتها الطبيعية في ظل الحكم الإسلامي، فتميزت قبائل البحرين مثل عبدالقيس وبكر بن وائل وتميم بتواصلهم وولائهم التام للخلافة الراشدة ممّا أكسبهم شرف المشاركة في جيوش الخلافة في الفتوحات.
فقد أورد كل من البلاذري والطبري أنّ بعض قبائل بكر بن وائل التي انتشرت في شمال البحرين وعلى ضفاف الفرات قد أرسلت للرسول صلى الله عليه وسلم وأسلمت على يده ومنهم جماعة من بني شيبان برئاسة المثنى بن حارثة وجماعة من بني عجل وبني ذهب اتصلوا بالخلافة وطلبوا منها الاعتراف بسيادتهم ودعمهم لقتال الفرس إذ كانوا في عداء مع الفرس ومناوشات مستمرة، وكانوا قد اصطدموا معها في عدة مواقع أشهرها موقعة ذي قار التي قال عنها النبي ﷺ «هذا أول يوم انتصر فيه العرب على الفرس وبي نصروا».
فاستجاب الخليفة وأرسل لهم خالد بن الوليد لتقديم الدعم.
الفتوحات في العراق وساحل الخليج الشمالي: بداية الانتصارات بدأت باختيار الخليفة أبوبكر الصديق خالد بن الوليد لهذه المهمة نظراً لخبراته العسكرية وكفاءته، فوصلته الأوامر بالتوجه نحو العراق فدخلها من أسفلها.
وقد تجمّعت قوات خالد في النباج الواقعة في الشمال من إقليم البحرين، وأصبح تعداد قواته ١٨٠٠٠ مقاتل بعد أن انضمت إليه قوات المثنى بن حارثة الشيباني والقبائل التي حافظت على إسلامها، وقد كان هدف هذه العمليات الاستيلاء على مدينة الأبلة لتكون قاعدة بحرية للمسلمين.
- معركة كاظمة «ذات السلاسل» (١٢هـ) كانت كاظمة في شمال إقليم البحرين وحدثت فيها أول معركة في طريق خالد، وعندما علم الوالي الفارسي على الثغور في ميناء الأبلة ويدعى هرمز بقدوم المسلمين، وكان قد أعد جيشه لمنازلة المسلمين في الحفير، لكن عندما علم خالد بذلك عدّل خطته، واتجه لكاظمة والتقى الجيشان فيها وسميت بذات السلاسل أيضاً لأنّ هرمز وأصحابه اقترنوا بالسلاسل، وكان خالد قد بادر خصمه بتوجيه رسالة له يدعوه للإسلام أو الجزية أو القتال، وعندما رفض إلا القتال حدثت معركة حامية الوطيس استمرت يوماً كاملاً أسفرت عن انتصار باهر للمسلمين، ثم بادر خالد باستثمار نتائج الفوز فأرسل المثنى ليطهّر ثغر الأبلة وما جاورها من الحاميات الفارسية، في حين وجّه معقل المزني ليتسلّم إدارة المدينة، ويحصّنها من هجوم الفرس المباغت، ويرى المؤرخون بأنّ معركة ذات السلاسل قد أكّدت شخصية الخليج العربية الإسلامية.
- معركة المذار (١٢هـ) تقع إلى الشمال من إقليم البحرين على ضفاف دجلة وقد تجمّعت فيها الجيوش الفارسية بقيادة قارن ومن انضم له من فلول جيش هرمز، وقد بثّ خالد والمثنى استطلاعات المسلمين لمعرفة قوة حشود الفرس وبدأت المعركة بمبارزة بين خالد وقارن انتهت بقتل قارن وهزيمة الفرس وقتل ٣٠ ألفاً منهم.
وقد كان لهاتين المعركتين (كاظمة والمذار) آثار سلبية على الفرس وإيجابية للمسلمين حيث رفعت معنويات المسلمين، فتقدم خالد بن الوليد يحقق النصر تلو النصر حتى تمكّن من فتح الحيرة.
أهل البحرين: ولاء وطاعة إنّ الفتوحات الإسلامية في عصر الخلفاء الراشدين تُبرز بوضوح عروبة البحرين ودورها الكبير في تعزيز الفتوحات ونشر الإسلام ممّا جعلها جزءاً لا يتجزأ من تاريخ هذه الحقبة، وبما يؤكّد عمق علاقة البحرين مع الخلافة الراشدة؛ حيث كانت قبائل البحرين، وخاصة قبائل عبد القيس وبكر بن وائل وتميم، مثالاً حياً للولاء والطاعة للخلفاء الراشدين في عهد الخليفة أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
هذا الولاء لم يكن مجرد ارتباط سياسي، بل جسّد قيماً أصيلة من الشجاعة والتضحية في سبيل نشر الإسلام وتعزيز وحدة الأمة.
وقد استمر أهل البحرين في تقديم الدعم والمشاركة الفعّالة في الفتوحات اللاحقة، ممّا أظهر ارتباطهم العميق بالهوية العربية والإسلامية وكرّس من مكانة البحرين في التاريخ.