^ العلاقة الاستراتيجية (المفترضة) بين الولايات المتحدة الأمريكية وبلدان الخليج العربية لا تجد ترجمتها على الأرض على النحو الذي يعتقده العرب، فالحلف الوحيد الفعلي هو الحلف بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية فقط، وأن علاقتها بالمنظومة الخليجية لا تعدو مسألة مصالح مباشرة ومعروفة ترتبط بالطاقة وبخطوط إمدادها بالدرجة الأولى، وذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية -شأنها في ذلك شأن الدول الكبرى- توازن في مواقفها بين مصالحها وبين احترام القوة ومن يظهرون قوتهم بشكل فعلي، سواء أكانوا دولاً أو حتى مجرد أحزاب أو جماعات مسلحة، مثال ذلك؛ المواقف الأمريكية الرخوة من كوريا الشمالية وإيران وحزب الله اللبناني..، بعكس مواقفها من سائر الدول العربية، والتي لا تظهر فيها في أغلب الأحيان إلا انحيازاً مطلقاً لإسرائيل.. وإذا كانت علاقة دول الخليج العربية بالولايات المتحدة الأمريكية قائمة على المصالح المتبادلة، فإنها لا ترقى -في الواقع- إلى مستوى الحلف الذي يمكن أن تركن إليه هذه الدول، خصوصاً بعد التحولات التي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أظهرت فيها الإدارات الأمريكية قدراً واسعاً من التذبذب في المواقف، وقدراً واضحاً من اللامبدئية، ويكفي هنا سرد بعض الوقائع التي تشير إلى رخاوة المواقف الأمريكية من القضايا التي تمس أمن وسيادة” الحلفاء العرب” في الخليج العربي، فتعليقاً على زيارة الرئيس الإيراني الأخيرة إلى جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة من إيران، جاء الموقف الأمريكي أشبه بتعليقات المحللين السياسيين منه إلى موقف الحليف أو حتى مجرد الصديق، من نوع” أن هذه الزيارة غير مناسبة”، وقبل ذلك نستذكر رد الفعل الأمريكي على اعتداء الحوثيين على الأراضي السعودية والذي تلاقى آنذاك مع موقف الإيرانيين، حيث كانت واشنطن “قلقة” فقط من “توسع” العمليات العسكرية، فلا حديث عن عدوان أو اختراق، فالموضوع لا يعدو كونه”أعمال عنف” وليس “اعتداءً” مع دعوة “الأطراف المعنية” إلى ضبط النفس، وليس مطالبة الحوثيين بوقف حربهم بالوكالة عن الإيرانيين على السعودية. وتذكرنا مثل هذه الاتجاهات الرخوة بالموقف الأمريكي من التدخلات الإيرانية في شؤون مملكة البحرين، وهو الموقف الميال إلى دعم مثيري الفوضى وتبرئة إيران من التدخل في شؤون البحرين الداخلية والنشاطات التجسسية والتخريبية التي تم الكشف عنها في الكويت والبحرين، فقد بدا واضحاً أن الولايات المتحدة مستعدة للتغافل عن السلوك الإيراني الاستفزازي تجاه دول الخليج، على أمل ضمان التعاون الإيراني في الملفات الأخرى التي يبدو أنها تهم الأمريكان أكثر من أمن الخليج العربي واستقرار دوله، ومن هذه الملفات: العراق وأفغانستان والنووي الإيراني، بل إنها قد تكون مرتاحة لمثل هذه الأجواء التي تدفع بالريع النفطي إلى التدفق نحو سباق تسلح جديد تستفيد منه الشركات الأمريكية في النهاية، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار النفط في العالم... ويقود التحليل في النهاية إلى أن عالم اليوم لا يحترم إلا الأقوياء (القوة المادية والعسكرية والسياسية والمعنوية المستخدمة والموجهة جيداً) وأن الاتكاء على حلفاء يتعاملون معنا باعتبارنا مجرد قطعة في رقعة الشطرنج دون أن نؤمن مصالح المنطقة وأمنها واستقرار دولها ليس موقفاً حصيفاً، ولن يخدم هذه الدول في النهاية خصوصاً بعد اتضاح الخطر الداهم نتيجة التكتيكات الأمريكية مع إيران التي تشن حملة غير مسبوقة على دول الخليج. وعندما نتكلم عن القوة هنا فإننا نقصد التخلص نهائياً من وهم الاعتماد على حلفاء غير مضمونين، مستعدين للتضحية بنا في أي لحظة مقابل غنائم منظورة وغير منظورة، وأول مصادر هذه القوة أيضاً هو تعزيز الديمقراطية وبناء السلم الأهلي على توافقات وطنية تقوي الوحدة الوطنية، وتمنع حدوث أي اختراق خارجي وأي استغلال للصراعات السياسية المحلية، لأن الفجوة التي قد يشعر بها المواطن بين ما في الواقع من نقائص، وبين طموحاته المشروعة في الديمقراطية والحرية والتنمية تنعكس على الاستقرار السياسي -الاجتماعي بشكل أو بآخر، مما يستدعي التكيف مع تلك التطلعات والتجاوب معها بشكل إيجابي بتعزيز الإصلاح وتوسيع المشاركة واستيعاب الحراك السياسي الوطني العقلاني ضمن رؤية وطنية تسد الطريق أمام الطائفية وأمام النزعات الفوضوية المتطرفة والمرتبطة بالخارج. ^ همس.. في تصريح منسوب إلى روبرت بير خبير الـ “سي آي إيه”، نقرأ العبارة التالية “سوف نعطي إيران النفوذ في أفغانستان وباكستان والعراق وندعمها اقتصادياً، لأن أمريكا يجب أن تتحالف مع طهران، ويجب أن تتحول عن تحالفاتها السابقة”.