^ منذ اللحظة التي وصلت فيها إلى نيويورك منيت النفس برؤية مظاهرة أو اعتصام أو أي ضرب من ضروب التعبير عن المطالب بغية مقارنتها بما يحدث عندنا في البحرين. تحققت أمنيتي مرات لكنني وجدت طرقاً للتعبير لم أجدها في البحرين قط مع فارق أنها تحقق دائماً مطالب المشاركين فيها. لم أجد من يشعل النار في إطارات السيارات ولا من يسد الطرق ويحتجزها ولا فضائيات إيرانية أو عراقية تحرض وتسوس وتدعم، فماذا وجدت؟ لعل من المناسب هنا الإشارة إلى ثلاث من تلك التظاهرات فقط؛ في منهاتن حيث الحركة لا تتوقف وحيث يحرص كل فرد فيها على أن يحصل على حقه كاملاً من كل دقيقة تعبر في الزمن تجمع نحو مائتي شخص أمام مبنى البريد، كانوا يحملون اللافتات التي تعبر عن مطالبهم ويرددون هتافات بصوت عال وبحماس. كان المشهد هكذا بالضبط؛ المتظاهرون واقفون يرددون هتافاتهم داخل حواجز تم وضعها على الرصيف يحرسها شرطيان، بينما وقف في طرفي المكان أشخاص بيدهم أوراق تتضمن مطالبهم وقصة المظاهرة يقدمونها للمارة من الناس وهم يبتسمون. أما مطالبهم فكانت محددة بوضوح؛ كانوا يطالبون الكونجرس بعدم الموافقة على مشروع التوقف عن توزيع رسائل البريد يوم السبت لأنه سيحرم مجموعة من العاملين بعقود مؤقتة في ذلك اليوم من العمل أو يؤثر على مكسبهم حيث يعتمد البعض في تحسين دخله على مشاركته في العمل في البريد يوم السبت. المظاهرة الثانية تم إخراجها بشكل مختلف تماماً، عمال محل تجاري كبير وشهير وقفوا أمام مبنى المحل، أقاموا مسرحاً صغيراً صعده ثلاثة منهم بآلاتهم الموسيقية (الجيتارات والطبول) بينما وقف العمال المرتدون ملابس المحل رافعين اللافتات التي تتضمن مطالباتهم بتحسين الأجور ويتفاعلون مع الأغاني الراقصة التي كانت تبث بصوت عال بغية جلب الانتباه. سألت أحد أولئك الذين يوزعون الأوراق التي تتضمن المطالب عما إذا كان المحل سيظل معطلاً حتى نهاية التظاهرة فقال إن المحل مفتوح والإضراب لا يؤثر على العمل بالمحل! في الداخل سألت المسؤولة عن المحل عن الأمر فقالت إنها هي وجميع العاملين من المتواجدين في الخارج وفي الداخل لهم نفس المطالب ولكنهم قسموا أنفسهم إلى قسمين، قسم يعبر عن المطالب وقسم يواصل العمل كي لا يتضرر المحل لأنه مصدر رزقهم جميعاً وأنه ليس الهدف الإضرار بالمحل وصاحبه وإنما التعبير عن الاحتجاج وممارسة نوع من الضغط على الإدارة لتحسين الأجور لتتماشى مع الحياة المعيشية في منهاتن. المظاهرة الثالثة التي يمكن الإشارة إليها كانت أكثر ظرافة، حيث تجمع نحو مائة من عمال البناء في عمارة يبنونها وظلوا يدورون في المكان المخصص لهم في حضور شرطي واحد وهم يحملون اللافتات ويصفرون بالصفارات (صفارة الحكم) بشكل مستمر ليلفتوا انتباه المارة، مطالبهم كانت تحسين الأجور، واللافت أن التظاهرة تمت في الساعة المخصصة لراحتهم أي أنها لا تؤثر على حق صاحب المبنى في قوة العمل فالمهم هو أن يوصلوا صوتهم ويعبروا عن مطالبهم وعن عدم رضاهم. بالتأكيد فإن كل تلك المظاهرات والاعتصامات والإضرابات وغيرها من وجوه التعبير تتم وفق القانون وبترخيص من السلطات المعنية وفي أوقات محددة لا يتم تجاوزها أبداً، والغريب أنها تحقق أهدافها في التو والحال أو على مراحل. وبالتأكيد فإن مظاهرات واحتجاجات أخرى تتم في مختلف الولايات الأمريكية يومياً لكنها أبداً لا تؤثر على الحياة اليومية ولا يتضرر منها أحد. ترى لو كان الأمريكيون يطالبون بوقف سباق الفورمولا 1 في بلادهم هل كانوا سيلجأون إلى مثل ما لجأ إليه البعض هنا من أساليب تسببت في تعطيل الحياة؟
مظاهرات صاخبة في نيويورك!
27 مايو 2012