^   قضيت الأسبوعين الماضيين في نيويورك وتحديداً في منهاتن التي «غزاها بن لادن ذات مرة»!، وزرت ولايات أمريكية أخرى مثل العاصمة واشنطن دي سي حيث البيت الأبيض وفرجينيا ونيوجيرسي وغيرها، إذ كنت في إجازة خاصة أردت بها الخروج ولو جزئياً من «الحكرة» التي صرنا فيها بفعل التصرفات غير المسؤولة من قبل البعض، الذي يبدو واضحاً أنه ظن أن عملية إسقاط النظام وتسلم السلطة مجرد نزهة! في هذه الزيارة، وهي الأولى للولايات المتحدة، لمست بأم عيني ويدي كيف هي دولة القانون والمؤسسات، ففي نيويورك وغيرها لا مجال أبداً للتجاوز، والقانون فيها أعمى يتم تطبيقه على الجميع دون استثناء إلا في الحدود التي يبيحها النظام، فالوقوف في أماكن معينة مثلاً ممنوع والمخالفة فيها تعطى للجميع إلا لأولئك الذين يسمح لهم القانون والنظام الوقوف فيها في ساعات محددة، أما رجال الأمن فلا يسمحون لأنفسهم أبداً التخلف عن تطبيق القانون على الجميع، فبمجرد انتهاء المدة المسموح للمركبة الوقوف فيها في الموقف مدفوع الأجر والمحدد بساعة مثلاً يحرر الشرطي المخالفة ولا مجال أبداً للتراجع عنها، ولا سبيل لواسطة لإلغائها عدا أنه يرسلها في الحال إلكترونياً إلى إدارة المرور. لكن القانون ليس محصوراً في تنظيم المرور والشوارع فهو في كل المجالات، ففيها جميعها «إذا حكى القانون الكل ياكل تبن»، ليس مهماً من أنت وما هو أصلك أو لونك أو دينك أو رتبتك الاجتماعية ومكانتك، فكل هذا لا يساوي شيئاً أمام القانون وقوته، فالقانون نافذ على الجميع. في الولايات المتحدة، وجدت أن المواطن والمقيم والسائح جميعهم محترمون طالما أنهم يتقيدون بالأنظمة ويلتزمون بدفع الضرائب، وملخص الحياة فيها هو «اعطني حقي وخذ حقك»، ليس أكثر من هذا. في المدارس حيث التعليم المنضبط والمتطور تحصل الإدارات على حقها من المال من ولي أمر التلميذ، وهو يحصل على حقه منها في التعلم. في الإدارات تحصل الدولة على حقها كاملاً من الجهد المطلوب في العمل من الموظف وهو يحصل على حقوقه كاملة منها. في المحلات التجارية تشاهد كيف أن العامل يعطي صاحب المنشأة حقه في التعريف ببضاعته وبالترغيب فيها والسعي لإرضاء الزبون، ولن تجده يضيع دقيقة هي من حق صاحب المنشأة في سوالف جانبية أو ضحك بينما يحصل هو على كامل مستحقاته ويمارس كل حقوقه التي يبيحها القانون بما فيها حق الاعتصام والتظاهر وما إلى ذلك. طوال الفترة التي قضيتها هناك لم أجد من يتجاوز القانون، هذا لا يعني أنه لا تحدث أخطاء أو حتى محاولات للتجاوز لكنها محدودة، فالكل يدرك أن القانون وجد لمصلحة الجميع وأنه يطبق على الجميع دون استثناء. كنت مع أحد الدبلوماسيين في سيارته ومررنا في طريقنا إلى إحدى المناطق في نيويورك نفسها بنقطة تحصيل ضريبة مالية للعبور، قال لي سأعطيك مثالاً على أن القانون لا استثناءات فيه، عند شباك التحصيل عرف بنفسه وسأل إن كان ينبغي عليه أن يدفع أيضاً؟ الموظفة ضحكت بقوة وثقة وقالت لا استثناء حتى لو كنت الرئيس أوباما، ولو أنك مررت دون أن تدفع فستصلك المخالفة بالبريد وستدفع أضعافاً مضاعفة. من الأمور التي تأكدت منها في رحلتي هذه أن المعنيين بالتشريع فيها ورغم أنهم يحسبون ألف حساب للأصوات التي يمكن أن يستفيدوا منها في الانتخابات لصالحهم أو لصالح أحزابهم؛ إلا أنهم في كل الأحوال والظروف ينظرون إلى مصلحة بلادهم أولاً، وينظرون إلى ما يبقيها في الطليعة دائماً، أما المظاهرات هناك فلها قصة أخرى مكانها الغد.