بدلًا من استعادة النظام والخدمات والأمن تسببت عملية التحرير على أيدي القوات العراقية المدعومة بقوة من قوات التحالف التى تقودها الولايات المتحدة في انتقال العديد من سكان الأنبار من غرفة انتظار إلى أخرى.مع تحول الاهتمام السياسي والعسكري في العراق نحو الشمال لقتال تنظيم داعش، يلاحظ أن الانتصارات العسكرية التي وضعت القوات العراقية على عتبة مدينة الموصل خلفت وراءها مدناً وبلدات ومجتمعات مُدمرة في قلب المنطقة السنية بالعراق، وفق تقرير لقناة "فوكس نيوز” الأمريكية الأحد.وأضافت القناة أن محافظة الأنبار شهدت المرحلة العسكرية الأكثر نجاحاً في الحرب البرية ضد تنظيم داعش حتى الآن.ولكن بدلاً من استعادة النظام والخدمات والأمن، تسببت عملية التحرير على أيدي القوات العراقية، المدعومة بقوة من قوات التحالف التى تقودها الولايات المتحدة، في انتقال العديد من سكان الأنبار من غرفة انتظار إلى أخرى.وكانت الذكرى الأكثر ألماً بالنسبة لـ "علي” من حكم تنظيم داعش في الفلوجة هي مشاهدة تدهور صحة ابنته زينة المولودة بمرض نادر في الأعصاب، وكانت تتلقى العلاج في مستشفى بالفلوجة ساعد على استقرار حالتها.ولكن بمجرد أن عزز تنظيم داعش قبضته على المدينة، التي تبعد مسافة تستغرق أقل من ساعة بالسيارة عن بغداد، هرب كل الأطباء تقريباً من المدينة.وقال علي: "كانت حالتها آخذة في التحسن، ولكنها أصبحت الآن غير قادرة على الكلام”، موضحاً أن العدد القليل الباقي من الأطباء كان غير مسموح له إلا بعلاج مقاتلي داعش فقط.وأضاف أن أسعار الدواء ارتفعت وأصبح العلاج المتخصص غير متوافر في الفلوجة على الإطلاق.وتابع علي ( 34 عاماً) أنه كان يصلي من أجل التحرر من داعش، على أمل أنه عندما تستعيد الحكومة العراقية السيطرة على المدينة قد تتمكن ابنته مرة أخرى من تلقي العلاج ويعود الأطباء.ولكن بعد أكثر من شهر من طرد داعش خارج الفلوجة مازالت مدينة أشباح، وأصبح علي وعائلته عالقين في أحد المخيمات على مشارف محافظة الأنبار.وفي هذا العام انضمت عائلة علي لأكثر من مليون شخص آخر من سكان الأنبار الذين أجبروا على ترك منازلهم منذ العام 2014.وتجلس زينة (8 سنوات) في زاوية بخيمة الأسرة تتململ في بعض الأحيان وتصدر صوتاً غير واضح الكلمات.وفي المخيم الصغير، الذي تمت إقامته على عجلة في ضاحية عامرية الفلوجة، كانت هناك عيادة متنقلة واحدة تتوافر بها المضادات الحيوية والمسكنات فقط.وفي بغداد ـ التي تبعد حوالي 40 كيلومترا من المخيم ـ كان يمكن لزينة الوصول إلى الرعاية الطبية التي تحتاج إليها، ولكن لأن عائلتها من سكان محافظة الأنبار فقد كانت تنقصها الأوراق القانونية المطلوبة لدخول محافظة بغداد.وقال دبلوماسي غربي في بغداد: "هناك افتراض يقول إنه بعد هزيمة داعش يمكن توحيد العراق مرة أخرى في شكل دولة جديدة، لكننا لا نرى ذلك في الأنبار”.وأضاف الدبلوماسي، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أنه بدلاً من ذلك نرى توقف النشاط الصناعي والزراعي وإغلاق المدارس وتعطل شبكات الكهرباء، وما زال العديد من الطرق غير صالح للاستخدام.وفي ظل هذا الوضع أصبحت السياسات القبلية أكثر قوة وتتبنى العائلات عادات أكثر تحفظاً.وفي أحد أكبر مخيمات النازحين في عامرية الفلوجة تجمع حشد من النساء حول قافلة للمساعدات الإنسانية يطلبن المساعدة، حيث تم احتجاز أبنائهن أثناء فرارهم من الفلوجة، وبعد أسبوعين من احتجازهم لا تعرف هؤلاء الأمهات مكان أبنائهن أو من الذي يحتجزهم.ويقول بعض من أُفرج عنهم من المحتجزين إن القبائل والعائلات القوية تتهم منافسيها بتأييد داعش من أجل تسوية نزاعات دموية وديون لم تسدد ومظالم تعود لأجيال سابقة.وقال حسين، وهو رجل في منتصف العمر أطلق سراحه للتو من أحد مراكز الاحتجاز وطلب ذكر اسمه الأول فقط خوفاً على سلامته، "يمكن لأي شخص لديه مشكلة مع شخص آخر أن يتهمه فقط بتأييد تنظيم داعش”.ويصف سكان الأنبار الشعور المتزايد بالتجاهل من جانب الحكومة المركزية بالإقامة في مخيمات للنازحين والبعد عن بقية عائلاتهم الكبيرة.وتأتي معظم المساعدات المقدمة لهم ليس من الحكومة المركزية، ولكن من القيادات السياسية والقبلية والدينية بالمحافظة.ويقول أحمد فحيل (30 عاماً) إن قتال داعش في مدينة هيت قد أوقع عائلته في براثن الفقر، حيث يعيشون في معسكر بائس غرب الأنبار في الصحراء الواقعة بين هيت والرمادي، وأصبح فحيل الآن العائل الوحيد لعائلته الكبيرة.وقتل تنظيم داعش شقيقه قبل أيام فقط من استعادة القوات العراقية السيطرة على المدينة وألقى جثته في الشارع. وتمكن فحيل من دفن جثة شقيقه في إحدى الحدائق قبل فراره من المدينة.وأضاف فحيل: "لم يعد لدى أي شيء وأنا في حاجة أيضا لمساعدة زوجة أخي وأطفالها”، موضحاً أن البعض أخبروه بأن منزله في هيت دُمر تماماً.ويقدر أن حوالي 1.3 مليون من سكان الأنبار قد أجبروا على الفرار من ديارهم منذ أوائل 2014 عندما بدأت قوة تنظيم داعش تتزايد في المحافظة من خلال نقل المقاتلين والذخائر عبر الصحراء الممتدة على حدود سوريا.وقبل عقد من الزمن، عندما مزق تنظيم القاعدة ـ السابق لداعش ـ محافظة الأنبار، استطاعت الجهود التي قادتها الولايات المتحدة لتحقيق الاستقرار في المحافظة دعمها ضد القاعدة من خلال ضخ كميات هائلة من الموارد في شبكة القيادة القبلية المحلية القائمة.ولكن اليوم ليس لدى الحكومة العراقية المركزية أية موارد – ويرجع ذلك جزئياً إلى عجز ميزانية الدولة الذي نجم عن انخفاض أسعار النفط – وليس لدى التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة رغبة لمثل هذا العمل الطموح.وقال أحمد الدارا، وهو رجل دين من الفلوجة، إنه من دون ضخ أموال كبيرة فإن إعادة توحيد محافظة الأنبار سيكون أمراً مستحيلاً.وبعيداً عن مسألة الموارد المالية، قال إن محاربة تنظيم داعش في محافظة الأنبار تختلف اختلافا جوهريا عن محاربة تنظيم القاعدة بعد الإطاحة بصدام حسين في العام 2003.وأضاف الدارا "فكرة المصالحة غير ممكنة مع العراقيين الذين انضموا لداعش”، موضحا أن التعافي من هذا التمرد لن يؤدي فقط إلى شق صف العراقيين السنة والشيعة بشكل أكبر ولكنه بدأ أيضا في شق صف الطائفة السنية ذاتها في العراق.وأضاف "أنا أعلم طبيعة أهل الفلوجة والرمادي، إنهم لن يسمحوا أبدا بوجود مؤيد واحد لتنظيم داعش في مدنهم. لقد أعاد هذا الصراع المواطنين السنة في العراق 50 عاماً إلى الوراء”.ويصف على، أحد سكان مدينة الفلوجة الذي نزح إلى معسكر على مشارف الأنبار، الثلاثة عشر عاماً الماضية من العنف المتواصل بأنها أنهكت الجميع.وقال "هذه هي المرة الثالثة التي يحدث في الفلوجة مثل هذا الوضع” ، مشيراً إلى الهجومين اللذين شنتهما القوات التي تقودها الولايات المتحدة ضد مسلحي تنظيم القاعدة في مسقط رأسه في منتصف العقد الماضي، فقد كانت معركة هذا العام ضد داعش هي الأولى التي أجبرته على الفرار من منزله. وأشار إلى أنها لن تكون المرة الأخيرة. وأضاف "أنا لا أريد أن أعيش في الانبار بعد الآن، الفلوجة انتهت تماماً”.