كتب لي الأخ الدكتور رضا علي إبراهيم هذه الرسالة: “تعليقاً على المقالات الثلاثة الأخيرة أقول..كأنك تتساءلين باستغراب كيف لا يرى هؤلاء الناس ما يراه آخرون ببساطة ووضوح؟وليس يصح في الإفهام شيء إذا احتاج النهار إلى دليلالمشكلة أن هناك منطقاً موازياً لما تذكرينه، ولكن في الاتجاه المعاكس، خلال أكثر من سنة تراكمت الأحداث فصار هناك مئات بل آلاف من الموقوفين، المفصولين، السجناء، المعذبين، الشهداء موزعين على آلاف الأسر والعائلات وبحكم وضع البلاد وترابط أهلها صار من المؤكد أن لا تخلو أسرة من الابتلاء.ما على الإنسان إلا الجلوس في أي مجلس مع أي جماعة و سيسمع قصصاً لا نهاية لها من مهانات، عذابات لحظة الاعتقال، الفصل.. إلخ إلى نهايتها، عزز هذا نتائج تقرير بسيوني؛ فقد كانت أطراف عديدة تنفي وقوع انتهاكات جسيمة.. تعذيب، هدم مساجد، فصل تعسفي، وإذا بهذا التقرير يؤكدها.. ونعتب على الناس استعانتهم بالمنظمات الدولية ولكن يبقى السؤال: وهل كان سيرجع أحد لعمله أو يطلق سراحه أو يخفف حكمه بدون ذلك؟..من هنا ضرورة الحوار الوطني وإلا سنصل لمرحلة يهتف فيها قائلهم: شرار شرار قومي خير من خيار خيار القوم الآخرين.. تقبلي تحياتيد.رضا علي إبراهيم مساء الخير دكتور.. - أشكر لك تواصلك وإبداء رأيك الذي أحترمه وأقدره دائماً، ولذلك أستأذنك بنشر رسالتك في مقالي ليوم الأحد لتبيان وجهة النظر المغايرة لما أطرح وكذلك للتعليق عليها، ولك المجال لمزيد من الإيضاح إن أحببت، فإن شئت ذكرت اسمك وإن لم ترغب في ذكره فلن أفعل وسأضع الرسالة بدون ذكر اسم المرسلوتفضل بقبول تحياتي.. سوسن الشاعرالأخت الفاضلة سوسن.. مساء الخير- لك ما تشائين.. لا مانع عندي ذكر أو عدم ذكر الاسم. و الله من وراء القصد.. د.رضا(انتهت الرسالة)سأبدأ من هذه الجملة التي انتقيتها من رسالته الأولى “المشكلة أن هناك منطقاً موازياً لما تذكرينه ولكن في الاتجاه المعاكس”، لأقول للدكتور الذي أكن له كل التقدير والاحترام أن أكبر مشكلة تواجه البحرين يا دكتور تكمن في وجود منطقين متعاكسين في تقييم ما حدث في البحرين العام الماضي.لأن في اختلاف التقييم يختلف مسارنا، ونختلف في طريقة معالجة أزمتنا، لذلك قبل أن تصل إلى نتيجة مفادها “بضرورة الحوار الوطني” علينا أن نتفق أولاً على مسمى هذا الذي سنتحاور عليه؟في اعتقادي أن سبب وجود منطقين متوازيين وباتجاه معاكس هو الاختلاف على تحديد “نقطة” بداية الأزمة، فمجالس تكتفي بالحديث عن (آلاف من الموقوفين، المفصولين، السجناء، المعذبين، الشهداء موزعون على آلاف الأسر والعائلات)، ويجعلها ترى الأزمة هنا في تلك الإجراءات، في حين أن مجالس أخرى حين تجتمع لا تنفك تتحدث عما حدث قبل تلك الإجراءات وترى أزمتنا فيما حدث قبل إعلان حالة السلامة الوطنية، أي عن الفترة ما بين فبراير إلى مارس 2011، المجالس الأخرى تعتبر الأزمة بدأت هنا والزلزال الذي أحدث الشق يقبع هنا في هذا التاريخ وهذه الفترة التي تسقط من حساب مجالسكم يا دكتور.. واعذرني في هذه القسمة ولكنك أصبت حين قلت إن هناك منطقاً آخر موازياً ومعاكساً للاتجاه.المنطق الآخر يسمع عن المفصولين وعن المعتقلين وعن تلك المعاناة، لكنه تمنى أن يسمع رأيكم وتوصيفكم وتقييمكم لما حدث، لم نسمع تعليقكم لم نسمع تسميتكم للأحداث ولا تقييمكم لها، نحن على استعداد لتقييم المنطق الموازي؛ أي تقييم ردة الفعل وتقييم الفترة اللاحقة كما تشاؤون، ونجلس نتحاور فيها كما تحبون ونتدارس ما لم نصدقه وما لم نخطئه وما لم نعالجه ويستحق إعادة التقييم ويستحق الإسراع في المعالجة وغيره من تعامل وتفاعل مع كل ما حدث، وما لحق بإعلان حالة السلامة الوطنية، لكن مشكلتنا أننا إلى اليوم إلى هذه اللحظة لم نتحدث سوياً وجهاً لوجه مع ما جرى وما حدث في الأيام السابقة لإعلان حالة السلامة الوطنية.نحتاج أن نسمع بعضنا بعضاً وتحتاجون أن تسمعوا ما مرت به البحرين، وكيف كانت البحرين خارج الدوار في تلك الفترة من البحرينيين الذين خارج الدوار، اسألوا كيف كان حال المدارس والجامعات ومواقع العمل في الوزارات والبنوك، وكيف كان الوضع في المستشفيات والطرق والأحياء.للعلم.. لقد كان هناك عالم آخر غير الدوار في الفترة ما بين فبراير ومارس العام الماضي، عالم به ناس وبه أسر وأطفال وموظفون ومرضى وربات بيوت و.. و.. و.. وكل هؤلاء لهم مجالس ومترابطون، وكان الحوار يدار بينهم بحديث هز كيانهم وحيرة كانت في أعين أطفالهم وشيوخهم وعجزتهم، وخوف بل ورعب على مصائرهم، لم يكن ذاك خيالاً ولا نسجاً من أوهام لقد هز زلزال نفوس هؤلاء البشر لم يمر عليهم منذ أن ولدوا ولم يقرؤوا مثله أو يسمعوا من آبائهم مثله كل ذلك حدث في تلك الفترة القصيرة لكنها كانت كافية لإحداث أكبر انشقاق مر على أسرتنا البحرينية، بحرين قبعت في الدوار وظنت أن البحرين هذا محيطها وكل البحرينيين هم الآن داخل الدائرة الدوارية!!في حين أن من كان خارج الدوار عاش كابوساً وثبتت صور في ذاكرته جديدة لم يخزن مثلها سابقاً، فلا أعتقد أن أحداً من آبائنا أوأجدادنا شاهد صوراً كتلك التي شاهدناها في الجامعة لمن حمل المنجل والسكين، وآخرين كانوا مضرجين بدمائهم هؤلاء أشخاص كانوا طلبة، وكانوا موظفين ولهم زملاء، والصورة تشهد ويعرفونهم بالاسم، أو تلك الصور التي رآها لأطباء ولممرضين في المستشفى ظهروا بوجه جديد، أو تلك التهديدات والاستهزاءات التي سمعوها من زملاء لهم في العمل أو تلك الوجوه التي سدت الطرقات وصرخوا في وجه من مر أمامهم بصورة لم نكن نتخيل أنها موجودة في مجتمعنا، ومن الذي أحدثها؟ أخوة كنا نظن أن لا شيء ما سيفرق بيننا وبينهم، فشاهدنا مناظر لهم لم نكن نتخيلها ونحتاج لوقت حتى نستوعبها، مناظر إلى الآن تشكل صدمة لنا، والأدهى أنها صور ثبتت في ذاكرة أطفالنا الآن.عزيزي الإنسان د. رضا.. معاناة المفصولين والمعتقلين و.. و.. أمر مؤلم حقاً وظلامات كثير منهم حقيقية وتحتاج منا لتعاطف إنساني، لكن الأكثر إيلاماً وما يعطل أي فرصة للالتقاء هو تجاهل تلك المجالس لما حدث في فبراير ومارس 2011، بل إن بعضكم يصر أنه لم يكن هناك بشر خارج الدوار، ولم يكن هناك إنسان تألم فهو لا يراه حتى هذه اللحظة، لهذا فإن أهم نقطة ارتكاز لوجود منطقين متوازيين ومتعاكسين تكمن في وجود منطق يبدأ من حيث ردة الفعل ومنطق يبدأ من الفعل، مجالس تتحدث عن التبعات ومجالس تتحدث عن الأسباب.وإلى أن نتفق على نقطة البداية.. أتمنى لي ولك الهداية.
اللهم اهدنا فيمن هديت
27 مايو 2012