صباح السبت الماضي كنت في زيارة الأم الرائعة، أو أمي الثانية، أم يعقوب وابنتها ليلى، وهناك التقيت بابنها جمال. أم يعقوب امرأة تعلمت منها الكثير في طفولتي المبكرة، تعلمت منها العديد من القصص الشعبية، وبدأت تحت إشرافها صيامي الأول وأنا في السابعة من عمري، وحفظت من جدها (جاسم أبل) والذي كان يعمل (مقهوي) عند الشيخ عيسى بن علي، عشرات المواويل والقصص وحكايات الغوص. تذاكرنا، أم يعقوب وأنا، ما كنا عليه قبل أكثر من خمسين سنة وأكثر، طبيعة العلاقات الاجتماعية في فريج الفاضل، وكيف كانت العائلات تحمل بعضها الآخر، حيث كان الفريج عبارة عن بيت واحد يعيش فيه الكل. من خلال أحاديثنا عن البحرين التي لا ينام فيها أي إنسان جوعاناً؛ حيث بيوت تجار الفريج ترسل ما تجود به أنفسهم إلى البيوت الأفقر منهم، ولذلك لم يعرف أحدنا الجوع. وهنا قالت أم يعقوب، بعفو الخاطر، مثلاً شعبياً لم اسمعه من قبل، يقول المثل “لقمة تدفع بلا (بلاء) نقمة”. أوقفني هذا المثل والذي هو خلاصة دينية واجتماعية وروحية عن طبيعة الكائن البشري والذي يرى في إهداء اللقمة وإعطائها للآخرين، بمثابة إيقاف نقمة قد تكون أكبر من أن يوقفها الإنسان العادي، لكنها كطاقة قادرة على إيقاف الأذى أو السوء الذي قد يترصد صاحب العطاء أو واحداً من أهله، فعملية إعطاء اللقمة أو منحها إلى من يحتاج لها، أعتبره شيئاً أقوى من كل درع ومن كل حصن ومن كل سور. وتحدثت أم يعقوب عن عادتها التي لم تفارقها، وهي العمل اليومي على زيادة الطبخ وإرسال البعض منه إلى الجيران حينما كانوا في فريج الفاضل، أما في المنطقة الجديدة التي يسكنونها في الرفاع، فإنها تبحث عن من يحتاجها من عمال أجانب يدورون قريباً من المنطقة لتطفئ بها شيئاً من جوعهم، وشخصياً أعرف منذ فترة طويلة أن الصدقة تدفع البلاء. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “صنائع المعروف تقي مصارع السوء، وصدقة السر تطفئ غضب الرب”، وقال عمر بن الجعد في الصدقة: “الصدقة تسد سبعين باباً من السوء”، وفي الأثر عن الحسن البصري، حيث قال: “داووا مرضاكم بالصدقة، واعدّوا للبلاء الدعاء”. ويروي فضيلة الشيخ عبدالرحيم قصة من الأثر فيها عبرة عن أن الصدقة تدفع البلاء: “خرجت امرأة إلى مكان معين في حاجة لها ومعها وليدها الصغير، ومعها رغيف من الخبز، فمر بها فقير وطلب منها صدقة فأعطته شيئاً، وبعد وقت جاء ذئب فتناول الوليد بفمه وهرب، وركضت الأم وراءه وهي تقول ابني، فأرسل الله ملكاً وخلص الطفل من فم الذئب وأعاده لأمه، وقيل لها يا هذه لقمة بلقمة..”. وقد تعلمت من قبل من خلال أشخاص أصغر مني في العمر معنى إيصال اللقمة إلى الجائع، فقد رأيتهم بعد أن يشبعوا من الأكل في أي مطعم من المطاعم يطلبون من الجرسون أن يضع الباقي من الأكل في كيس، ويقدمونه لأول من يمرون عليه من أصحاب الحاجة. من هنا أقول لأهلي وأصدقائي؛ إياكم.. إياكم ورمي الأكل في سلة القمامة، فهناك من يحتاج إليه. تعلمت من أم يعقوب الكثير، ومازلت أتعلم، من هنا أرى ضرورة أن يذهب الصغار والشباب إلى جداتهم وأجدادهم لاكتشاف فن العبور في صعوبات الحياة، والتعلم من تجارب الأكبر سناً. اذهبوا إلى جداتكم وأجدادكم الآن. فهم الخير والبركة، وهم القادرون وحدهم على فتح الأبواب المغلقة.
لقمة تدفع بلاء نقمة
27 مايو 2012