قيام الإنسان بإبداء الرأي وإظهار الشخصية الداخلية المنفردة به وتأصيل جذوره الروحانية النفسية والتنفيس عنها بطريقته الخاصة به. لا يُعدّ استنفاراً منه تجاه الغير. وحتى وإنْ كان رأيه لم يكن بصف الآخر. فالإنسان عليه أنْ يبرز شخصه أينما كان. لا أنْ يدفن ذلك الشخص الداخلي ليدهس على نفسه بنفسه. ولو بأتفه المواقف أو أبسطها. فالمغزى هنا هو صقل الشخصية لا متى سوف أتكلم، فلا داعي لرأيي فالجميع عوَّدني على ذلك. المغزى أنَّ هنالك الكثير من الأسر تقوم بتعويد أبنائهم بعدم أهمية رأيهم، بل بالأصح تربيهم على ذلك. أو تدع للأخوان الأكبر سناً التحكم بالأصغر سناً، حتى يمحو الأول شخصية الثاني، معتقداً بنفسه بأنه القوي الكبير ذو الرأي الصارم دافناً بذات الوقت روحاً بشرية. لا أدري متى سيفهم البعض أنَّ سرد الرأي وترجمة دواخل الإنسان، تعتبر حقٌّ من حقوق أيِّ إنسان على الأرض، سواء أخي الأصغر أم الأكبر، أم ابني أم أبي أياً كان من يكن. ولا يعد من قبيل التعدي على الآخر. أو التقليل من شأن المتحدث معي. مثال حي على ذلك بسيط يوضِّح تخلف هذه الفئة المقصوده بكلامي. امرأة مارس أبوها دكتاتورية لطيفه عليها إنْ صحَّ القول. باب المنزل يفقل في الثامنه والنصف. إجبارها على وظيفه عسكرية ليست بميولها. ودهس طموحها، وهي صامته لم تتكلم. فقط أمام أعزِّ صديقاتها فتحكي ذلك وتبكي حينها، إلى أنْ مرَّ الوقت وقد قبلت تلك الفتاة أول عريس تقدم لها، بالرغم من تدنيه الدراسي، فهو حتى لم يكمل الثانوية العامه يحمل فقط الشهادة الإعدادية، وموظف ذو مرتب جداً بسيط لا يكفي لإعالة أسرة بالأحرى. هي قبلت بذلك وبقرارة نفسها لم تكن مقتنعة، فقط أرادت الهروب من دكتاتورية أبيها اللطيفة، فهو والدها وهو بالفعل لطيف وغير مخيف أبداً، ولكنه عوَّدها على الرضوخ لرأيه حتى وإنْ كانت لم تريد، حتى وإنْ كانت تبكي من خلفه. إلى أنْ كبرت، وكبرت معها أختها الأصغر سناً منها بستة سنوات، ولكن الدكتاتورية مورست هذه المرة من قبلها هي، ظلت تتحكم بأختها وتفرض آراءها عليها، إلى أنْ اندثرت شخصية تلك الصغيره فليس لها كلمة أبداً. فتاة بعمر الـ21 عاماً ليس لها رأي خاص بها، ولا حتى المقدرة في قول نعم أريد أو لا إنني لا أرغب، أو كيفية اتخاذ قرار ولو تافه كشراء شيء، أو الخروج لأيِّ وجهة معينه كمثال فقط. كانت تلك نتيجة واحدة من نتائج دكتاتورية والدها اللطيفة. لم تكن تعي وحتى الآن، إنَّ إبداء الرأي حق بل حرية، لا قلة حياء أو تقليل من الأدب، كما هي تعتقد أو كما رباها أبوها في ذلك العالم المنغلق. وكنتيجة ثانية تلك الفتاة لم ترضَ بقدرها، حتى الآن فهي ليست سعيدة بزواجها وليست بتعيسة. ليس تناقض ولكنه واقع، فهي تسير بممر أبيض الجدران وأبيض الأرضية وأبيض السقف. ممل ليس به متعة ولا تعاسة، بل طريق تستطيع السير به لا أكثر ولا أقل، دائماً تتذمر من الحياة ومن التعب الدنيوي ولها نفسية قابلة للحزن، من دون سبب، وهي بالحقيقة لم تكن هكذا، بل بعمر المراهقة كانت مرحة مضحكة تحبُّ الحياة، ولكن تلك نتائج الدكتاتورية اللطيفة. هذه الحالة والعديد منها بالواقع المعاش، إنْ أخبرتهم بوضعهم وإنْ تلك هي نتائج عدم إبداء آرائهم والتنفيس عن مكنوناتهم العقلية والقلبيه في وقتها المناسب، مما سبب الكتم الجارح الذي تظهر نتائجه على المدى البعيد. لن يعوا معنى هذه الدكتاتورية لأنهم كبروا وتربوا على منهجية الأوامر لا الديموقراطية، والدليل على ذلك حياتهم الحالية، وكيفية تعاملهم معها. فلا وعي ديمقراطي لديهم. فالديمقراطية تبدأ من الداخل ومنذ الصغر في المنزل وبين أفراد الأسرة. فمن حرم من ذلك فهو لن يفهم ديمقراطية أخرى خارجية. فكيف نريد أجيالاً واعيه بفكرها وذو منطق بطرح آرائها ورغباتها، إنْ كنا نربيهم بطريقة أوامرية لا آرائية. الوطن يريد ويحتاج للوعي، فأرجوكم طبقوا ذلك من منازلكم أولاً. نحن نريد الأفضل، والوطن يستحق الأفضل، فأرجوكم طبقوا كيفية الأفضل. من أجل الوطن. لا غير، وإنْ كنتم ممن مورست عليه تلك الدكتاتورية المقنعة باللطافة، فحاولوا تجنب نتائجها السلبيه على حياتكم بالمستقبل، واجعلوا من أنفسكم قراراً وموقف يعوّل عليه بإبداء رأيكم وسماع رأي الآخرين، وتطبيق الديمقراطية حيثما كنتم، فالمنزل فالعمل و...الخ، لا بالقوة والفرض القبيح. خلف السطور أخطاؤنا مَنْ يَدْري عَنها؟.. وعُيوبُنا مَنْ يُخَفِفَ مِنها؟.. أمورٌ لا رَدَةَ فيها.. مَشَقَةٌ ومَشاكِل تَليها.. وهكذا نَستمِر.. نَمشي نَجري فَنَقِف.. نَبكي نَمسَح فَنَجِف.. وهكذا نَنْتَظِر.. بِلا اِسمٌ ولا عِنوان.. بِلا رحمةٌ ولا عِدوان.. وها نَحنُ وَحدَنا.. بلا عَناوينٍ بلا كَلِمات.. بلا روحٍ بلا مَسَمَيات..