أكد رئيس قسم علم النفس كلية الآداب جامعة البحرين د. شمسان بن عبدالله المناعي خلال ورشة «التواصل مع الأطفال خلال الأزمات» إن التواصل مع الأطفال هو المدخل الرئيسي لتنمية شخصياتهم من خلال تبادل الكلمات والأفكار والمشاعر معهم».جاء ذلك خلال البرنامج الإرشادي لتدريب العاملين في مجال الطفولة ضمن فعاليات دورة «التكيف مع الأزمات» الذي تقوم بتنظيمه اللجنة الوطنية للطفولة تحت رعاية وزيرة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية الدكتورة فاطمة البلوشي، ضمن حملة الوحدة الوطنية «وحِدة وحَدة».وأكد الدكتور شمسان المناعي على إن البحرين بكاملها بحاجة إلى برنامج « تكيف الأطفال مع الأزمات» خاصة بعد أن شملت الأزمة الأخيرة المدارس بشكل كبير، وكان الأطفال هم الأكثر تضررا، إذ تأثروا بها نفسياً ومعنوياً وأصبحوا ضحايا لها، والدليل على ذلك إن بعض الأطفال مازال يعاني من هذه الصدمة والخوف من الذهاب إلى المدرسة وتنتابه مشكلات سلوكية في البيت كالتبول اللا إرادي والتشتت الذهني وتدنى مستوى البعض التحصيلي وخاصة الأطفال في المرحلة الأولى من التعليم الابتدائي لأنهم من سن 7 إلى 9 سنوات يكونوا أكثر تأثرا بالأزمات، لأنهم في مرحلة نمو هاش مازال في طور النمو النفسي، فهم يبحثون عن بناء الذات الصحيحة وتتأصل لديهم القيم المجتمعية، ويكون هذا من خلال الأسرة والمجتمع، ولأنهم يعيشون في بلد ومجتمع واحد يتعرضون إلى اهتزاز واختلاط الكثير من المفاهيم عليهم خاصة وإنهم يتلقون رسائل متناقضة، فما توجه الأسرة عكس المدرسة، فيحدث نوع من ضياع الدور واختلاط المفاهيم والصورة الذهنية التي تم تكوينها عن المجتمع بدأت تختل وهذا البرنامج جاء ليقوم بعملية تأهيل للأطفال للتكيف مع المستقبل.التواصل فن وأسلوب وأوضح د. شمسان إن التواصل هو عملية إنتاج ونقل وتبادل المعلومات والأفكار والآراء والمشاعر من شخص إلى شخص آخر بقصد التأثير فيه وإحداث الاستجابة المطلوبة، ويتكون التواصل من ثلاثة عناصر رئيسية وهي المرسل، وهو مصدر الرسالة أو النقطة التي تبدأ عندها عملية الاتصال والرسالة وهي الموضوع أو المحتوى (المعاني أو الأفكار) الذي يريد المرسل أن ينقله إلى المستقبل ويتم عادة التعبير عنها بالرموز اللغوية أو اللفظية أو غير اللفظية أو بهما معا والوسيلة، وهي الطريقة أو القناة التي تنتقل بها الرسالة من المرسل إلى المستقبل، مبينا أننا نتواصل مع بعضنا البعض ومن خلال تعابير الوجه (العبوس أو الابتسام) أو الإشارات، وبالصمت (الجاف أو الدافئ) كما وأننا نتواصل بالكلمات والألفاظ، فالكبار في العادة لا يواجهون أي صعوبة في التواصل مع الأطفال خاصة عند توجيهاتهم لكيفية استخدام المقص مثلاً أو في شرحهم لهم لمدى خطر السيارات، لكن تكمن الصعوبة لديهم في التعبير عن المشاعر سواء مشاعرهم أو مشاعر الأطفال.التكيف الإيجابيوأشار الدكتور إلى أن التواصل الوجداني العاطفي مع الطفل أنجح الطرق وأهمها، نظراً لأننا نمتلك المشاعر والعواطف سواء كمربين أو معلمين، ولكن الكثير منا يفتقد التعبير عن هذه العواطف والمشاعر والتي هي أساس البناء النفسي لنمو الطفل، وافتقادنا لذلك هو بسبب ثقافة مجتمعنا التي تجعل العواطف في أسفل سلم طرق التواصل ليس مع الطفل فقط، ولكن حتى بين الكبار بعضهم البعض مثل التواصل العاطفي بين الزوج والزوجة. وقال د. شمسان إن الأطفال هم اشد الفئات العمرية تأثراً بالأوضاع الناجمة عن الظروف الصعبة، ويرجع ذلك إلى قلة خبرتهم المعرفية والحياتية، ومحدودية آليات التكيف التي يمتلكونها، ناهيك عن أنهم يعيشون في عالم من الخيال الواسع الذي يصور لهم الأحداث بصورة أكبر بكثير من حجمها الحقيقي، ولذلك فإن أهم أنواع التواصل هو التواصل بلغة الجسد، حيث تأثر عليهم بنسبة 55%، ولذا على المربين أن يجيدوا مهارات لغة الجسد للتواصل مع الأطفال مثل تعبيرات الوجه ولغة العين وغيرها من التعبيرات التي من شأنها أن توصل رسائل إيجابية مشبعة بالتفاؤل والحب للطفل لكي يجعلوه يشعر بالأمن كحاجة أساسية لحياته ويمثل الشكل التالي تأثير لغة الجسد في عملية التواصل بالنسبة لوسائل التواصل الأخرى، موضحاً إن آثار الظروف الصعبة أثناء الأزمة لها عدة جوانب في حياة الطفل، تتمثل غالبيتها في التهديد الموجه نحو تلبية احتياجاته المادية والنفسية الأساسية، والتي تعتمد بشكل مباشر على أفراد أسرته والراشدين من حوله، ولذا فإن للبيئة المتوافرة له أهمية خاصة في مساعدته على استعادة قدرته على التكيف، والعودة إلى النمط الطبيعي، وعلى الرغم من أن الأطفال من مختلف الفئات العمرية يتأثرون بالأوضاع الصعبة، إلا أنه يبقى هناك تفاوت كبير بينهم في درجة وكيفية تأثرهم بها.العوامل المؤثرةفي إدراك الطفلويضيف الدكتور شمسان : «يعود ذلك إلى مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية، إذ يلعب إدراك الطفل للحدث الصعب دوراً رئيساً في تحديد المعنى الخاص والذاتي وهذا يتوقف على المميزات الشخصية الخاصة بكل طفل، هذا بالإضافة إلى طبيعة مرحلته العمرية، وأسلوب تعامله مع الوضع الصعب، ويشمل ذلك حدة القلق وقدرته على التحدث عن الحدث، والمعنى الخاص الذي يعطيه كل طفل للحدث بحسب حصيلته المعرفية والتجريبية والخيالية، وأيضاً وفقاً لتوافر جهاز الدعم العائلي والذي يلعب دوراً مساعداً أو معوقاً للطفل في عملية تكيفه، موضحاً أن مرور الأطفال بالأوضاع الصعبة يؤدي إلى ردود أفعال تؤثر على عدة نواح من حياتهم، كالنوم المتقطع وحدوث الكوابيس المتكررة التي تتخللها مشاهد الحدث، وظهور سلوكيات عدوانية موجهة ضد الآخرين، والعزوف عن الطعام أو الإفراط في تناوله، وانخفاض الأداء المدرسي، هذا بخلاف ردود الفعل الفسيولوجية كالتبول اللاإرادي وازدياد حالات الإثارة والتوتر، وظهور حالات من الإمساك أو الإسهال، والتعلق القَلِق بالوالدين من خلال الخوف من الانفصال عنهم، وتضاؤل الاشتراك في النشاطات الخارجية وقلة اهتمامه باللعب والخوف الواضح من البرامج التلفزيونية التي تحتوي مشاهد عنيفة. وأكد رئيس قسم علم النفس كلية الآداب جامعة البحرين د. شمسان المناعي على ضرورة عدم افتراض الوالدان أنه ليس لدى الأطفال أي معرفة عن الأشياء التي سوف تحدث، وذلك لأن من المؤكد أنهم يعرفون أكثر مما قد يعتقد الوالدان. فالأطفال يكتشفون الأحداث من خلال متابعتهم للبرامج التلفزيونية أو من خلال تواصلهم مع الآخرين. ولذلك على الوالدين أن يقوما بتصحيح المعلومات غير الكافية، أو التي تنقصها الدقة وسوء الفهم من دون اللجوء إلى تقديم أي شيء غير واقعي أو غير حقيقي، كما يجب أن يعلموا انه من الطبيعي أن يتحدث الأبناء عن الأحداث، وواجبهم عدم السخرية منهم والاستماع إليهم بمنتهى الاهتمام ليعرفا طبيعة الدعم الذي يحتاج إليه الطفل. وتطرق د. شمسان إلى المحاذير التي يجب الابتعاد عنها في التخفيف عن الطفل باستعمال عبارات مثل «انس الأمر، لقد انتهى كل شيء الآن»، وعوضا عن ذلك يمكن للوالدين أن يقولا للطفل «نفهم بأنك قلق ونرغب في مساعدتك»، مع عدم إثارة آمال وعود غير حقيقية أو توقعات يصعب تحقيقها مثل «إن الحرب سوف تنتهي قريباً»، مع عدم ترك مشاعر الشعور بالإحباط والغضب تنعكس بشكل مباشر على تعامل الوالدين مع أطفالهما. من أجل بناء شخصية الطفلوبالنسبة لورشة مهارات التواصل تعد حجر الأساس لإعادة بناء شخصية الطفل لأن بناء شخصيته من أصعب المهام بحكم أنه لا يستطع التعبير عما يجول بنفسه من مشاعر وأحاسيس لأسباب عديدة بسبب الخجل أو عدم قدرته على الكلام والثقافة الموجودة في المجتمع لا تتيح للطفل التحدث والتعبير عن الذات، وهذه الورشة تكسب القائمين على رعاية الطفل مهارات التواصل الجيد مع الطفل، وكيفية الاستماع إليه وتوصيل الرسالة الصحيحة وتخليصهم من السلبيات وإمدادهم بالإيجابيات المجتمعية، إن التواصل هو المدخل لإعادة تأهيل الطفل وتكيفه مع المجتمع سواء في الأسرة أو المدرسة، وللأسف أن الكثيرات من المعلمات والأمهات يفتقدن مهارات التواصل الجيد بسبب تعودهن على نمط تواصل معين مع الطفل في الحياة العادية، ومع الأزمات يحتاج الطفل إلى نوعية من المهارات لتخفيف الأزمة عنده، وإزالة الأفكار السلبية خاصة الطائفية التي بدأت تنتشر بين الأطفال وخلق الانتماء إلى مجتمعة ووطنه وهذه إحدى الرسائل المهمة التي يجب إيصالها إلى الطفل، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون أكثر تواصل مع زملائه وأصدقائه وجيرانه لرأب الصدع الذي أصاب المجتمع البحريني، خاصة وأنهم الجيل الذي سيحمل الأمانة لرسالة المجتمع المستقبلية.