كتب - طارق مصباح:على الرغم من كونها أول مدينة نموذجية بنيت في البحرين، بل وفي الخليج العربي، إلا إنها اليوم ما زالت تئن ألماً من تهميش مطالبها وعدم زيارة مسؤولي الدولة لها لتفقد احتياجات سكانها الذين ضربوا أروع الأمثلة في الوحدة الوطنية والحفاظ على النسيج الاجتماعي والترابط القائم على الاحترام بين مكونات الشعب البحريني كافة..«مدينة عيسى”.. لها همومها المشتركة مع بقية المناطق، وهذا هو محور حديثهم الذي جمعهم في مجلس نائبهم عدنان المالكي.، وكانت "الوطن” بينهم.الإسكان.. إلى متى؟!استهل الحديث المواطن فياض ناصر عارضاً مشكلته بعدم حصوله على زاوية بيته! أكثر من عشر سنوات وهذا المواطن ينتظر هذه المكرمة التي عزا سبب عدم حصول كثير من الأهالي عليها إلى أن: "في بعض الموظفين الذين يلعبون بطلبات المواطنين.. يمررون طلبات ويعطلون أخرى” .. إنهم يميزون بين المواطنين”!وعلَّق خالد عبدالغفار على كلام ناصر، مؤكداً ضرورة أن تكون هناك معايير محددة تضعها الوزارات لتنفيذ التوجيهات العليا.بينما رأى سعد الجزاف أن المواطن البحريني اليوم يعلق آماله على مجلس النواب لإيجاد الحلول الجذرية لمشكلاته.. وزاد على محور الحديث المواطن علي بحر عندما تحدث عن أهمية تخصيص أرض تفي بطلبات أهالي مدينة عيسى التي ينقصها المشروع الإسكاني الذي يليق بها. لكن المواطن خليل يوسف قال إن مدينة عيسى مصنفة على أنها مدينة نموذجية لكنها تعيش حالة من البؤس لا تليق بوصفها نموذجية.وأضاف: إن بيوتها القديمة متناثرة هنا وهناك، ومشكلات بيوتها الآيلة ما زالت قائمة، ونحن نطالب وزارة الإسكان بالنظر إلى مشكلاتنا، فقد تفاقمت.ليس بعيداً عن الهَم الإسكاني تحدث المواطن علي جلال عن مشكلة أرَّقته والكثير من الأسر في مدينة عيسى وهي انتشار البيوت التي تسكن فيها العمالة الآسيوية والعزاب، مطالباً بسن تشريعات وقوانين تحد من هذه الظاهرة وتنظمها.مثال فريد للوحدة الوطنيةأهالي مدينة عيسى يعشقون الحياة الاجتماعية ويتوقون دائماً إلى ما يجمع ولا يفرق، هكذا تربت هذه المنطقة الوادعة، ولتعميق هذه القيمة الاجتماعية ناشد المواطن عبد الله راشد المسؤولين تخصيص ساحات شعبية لإقامة فعاليات المناسبات الوطنية. وفي السياق نفسه، تحدث مدير نادي مدينة عيسى الرياضي أحمد جاسم عن ضرورة أن يُعاد إنشاء نادي مدينة عيسى على أحدث المواصفات، وقال إن النادي بصفته الحالية لا يليق بهذه المدينة الكبيرة. وأشار جاسم إلى سلبية أخذت في الانتشار في المحافظة الوسطى وهي كثرة وجود الأندية والمراكز التي شتت جهود تعميق الوحدة الوطنية وأخذت منحى فئوياً، مؤكداً أن برامج النادي توحد الشباب في أنشطة رياضية تعمق بينهم الأخوة.لجنة «تواصل»حرصاً من أهالي مدينة عيسى على تعميق اللحمة الوطنية بينهم، أنشأت مجموعة من الشخصيات البارزة فيها لجنة "تواصل”، كان أعضاؤها حاضرين في مجلس النائب المالكي، رئيس اللجنة الدكتور علي البقارة تحدث عن الرؤية والرسالة التي ترمي إليها هذه اللجنة وأنها أنشئت للإسهام في إطفاء نار الفتنة الطائفية التي اشتعلت في المملكة، مشيراً إلى أنها إذا انتشرت فإنها ستأكل الجميع..وقال البقارة: لا نريد أن نكون عراقاً أو لبناناً آخر.. دعونا نحافظ على المجتمع البحريني الذي ظل لسنوات محل إشادة العالم وتقديره.وذكر أن اللجنة تهدف إلى تعميق قيم التعايش والتسامح ونشر الفكر المعتدل الذي يرسخ مفهوم المواطنة القائمة على الإيمان بالوحدة الوطنية ونبذ الطائفية التي تمزق النسيج الاجتماعي.وعن السبيل لتحقيق هذه الأهداف قال البقارة: سنزور الديوانيات والمجالس والمدارس والمعاهد، وسنتجول في مناطق المملكة كافة من أجل رسالتنا الوطنية. رئيس القسم الإعلامي في لجنة تواصل خليل يوسف حذَّر من تحويل الأزمة الراهنة في المملكة إلى فرصة لنيل مكتسبات فئوية، بينما أشاد المواطن يوسف المالكي بروح التسامح التي تنبع من الأخلاق التي فُطِرَ عليها أبناء البحرين.أهالي مدينة عيسى قد يحتاجون إلى التذكير بهذا الأمر ولكن كوني من أهالي المدينة وجدت فيهم الفطرة السوية التي تغذت بها أرواحهم، ومثال حي يؤكد ما نقول هو المشروع الرائد الذي أقامته جمعية مدينة عيسى التعاونية في العام الماضي عندما نظمت رحلة لزيارة المدينة المنورة جمعت بين الطائفتين على متن باصات نقلتهم إلى تلك الرحاب الطاهرة.المواطن عبد الله راشد كان من ضمن المسافرين مع مجموعة من أهل بيته، نترك له المجال لوصف مشاعره إذ يقول: كانت رحلة موفقة وناجحة بالمقاييس كلها، وحققت أهدافها بفضل الله ومنته.لم ولن تكن هذه الرحلة هي الجهد الوحيد لإظهار الصورة المشرفة للوحدة الوطنية بين أبناء مدينة عيسى التي أصبحت قدوة لبقية مناطق المنطقة التي يفتك ببعضها سرطان الطائفية، بل هناك مفاجآت سارة أخرى حدثنا عنها نائب رئيس مجلس إدارة جمعية مدينة عيسى علي ياسين، فما هي؟!يقول ياسين: نحن الآن بصدد تنفيذ رحلة لأداء مناسك العمرة وهي مفتوحة للجميع، والهدف منها أيضاً تعزيز اللحمة الوطنية.هذه الجهود كانت محل إعجاب النائب عدنان المالكي الذي قال عن مدينة عيسى إنها المنطقة المختلطة الوحيدة التي لم تشهد قلاقل ومشكلات أثناء فترة الأزمة إلا في منطقة توبلي التي دعا لهم المولى أن يهديهم ويرجعهم إلى جادة الصواب..من حديقة إلى صالةصحيح أن لأهالي مدينة عيسى مشكلاتهم التي يشتركون فيها مع بقية المناطق، ولكنهم يسعون دائماً إلى ما يجمعهم، وهذا ما استنتجته من هذا التحقيق أثناء جولتي، وأبرز مثال على ذلك أن الأهالي يطالبون بتحويل (حديقة الألعاب)، التي لا توجد فيها ألعاب! وهي المساحة الزراعية الواقعة قرب الجامع الجنوبي بمدينة عيسى، يطالبون بتحويلها إلى صالة مناسبات كبيرة تجمعهم مع بعضهم ويتسامرون فيها لبحث قضاياهم وقضايا مجتمعهم..وقفت مع إمام الجامع الجنوبي بمدينة عيسى عبد الله البنكي الذي التفت نحو "الحديقة”، وقال إنها مثال لأحلام المواطنين التي لم تتحقق.والتقينا الحاج إبراهيم عبدالله وهو أحد قدامى سكان المدينة، إذ نزلها منذ أربعين سنة وبيته قرب الحديقة، وقال إن مدينة عيسى تعد أقدم مناطق المملكة إلا أنها تفتقد إلى صالة مناسبات تليق بها..صالة لا فعالية فيها!مؤذن الجامع الجنوبي عبد الله الصحاف أطلعني على مواقف لا تخلو من الطرافة مع مريدي صالة المناسبات الحالية، فمنذ أن أنشئت لم يقم فيها مجلس عزاء أو فرح! حتى أنه شخصياً أراد أن يقيم فيها مجلس تعزية عندما توفيت أخته فاضطر لحجز صالة في منطقة أخرى بعيدة عن مدينة عيسى!!والتقيت عدداً من السكان الذي أيدوا إقامة الصالة في هذا الموقع، إذ قال إبراهيم مليح إن الحَل يكمن في إلغاء الصالة الحالية وأن تقام مكان الحديقة المقابلة للجامع صالة مناسبات كبيرة تليق بمدينة عيسى.وهكذا ترون آراء الأهالي تتباين حول هذا الموضوع بين مؤيد ومعارض..قصة الحديقة والصالةكان لابد لي أن التقي عيسى القاضي العضو النيابي في مدينة عيسى، الذي ذكر لي أن وزير البلديات جمعة الكعبي عندما زار المدينة منذ نحو سنتين وتجول قرب الحديقة وأخبرناه بالفكرة، لكن هذه الفكرة لم ترق لكثير من الأهالي مما جعل الوزير يصرف النظر عن الاهتمام بها.وأكد القاضي أنه يؤيد أن تقام محل هذه الحديقة صالة مناسبات كبيرة تصلح لاجتماع الأهالي مع المسؤولين كما يمكن من خلالها أن يلتقي النواب والبلديون المواطنين.وحول رأيه فيمن تكون الجهة التي تشرف على الصالة، قال القاضي أنه يفضل أن تشرف عليها لجنة من أهالي دوائر المدينة بحيث تكون بعهدتهم.نحتاج إلى ممولللغوص أكثر في هذا الموضوع التقيت العضو البلدي غازي الحمر الذي طلب مني إجراء المزيد من اللقاءات مع أهالي المدينة للاستئناس برأيهم ورفع مطالبهم عبر هذا التحقيق، مؤكداً لي أن رأي الأهالي مهم وضروري في هذا الموضوع ونحن نطالب معهم أن تستملك الأرض وتتحول إلى صالة.وقال الحمر إنه في حال وافقت الجهات المعنية على المقترح فإننا سنحتاج إلى ممول لبناء الصالة وإجراءات أخرى تأتي تباعاً.فوائد الصالة المقترحةوعملاً بنصيحة البلدي الحمر التقيت بالفعل عدداً من المواطنين من أهالي مدينة عيسى مستهلاً جولتي الثانية من التحقيق بإمام جامع الزبير في المدينة دعيج الذوادي وعدد من الأهالي.الذوادي ذكر أن إقامة مجلس مستقل للمدينة سيخدم المنطقة بلا شك، وقال: توجد حديقة أكبر من هذه الحالية قربها. أما مؤذن الجامع عادل الشوملي فأشار إلى أن الصالة الاجتماعية ستكون فرصة لتنمية الجوانب الاجتماعية والثقافية لدى شباب المدينة، واتفق معه الشاب أحمد دسمال ذكر أن مشروع الصالة يصلح أيضاً ليكون ملتقى تربوياً من خلال الفعاليات الشبابية، كما اتفق المواطن راشد يحي مع ما سبق، وأضاف أن المدينة تستحق هذا المشروع الكبير لأنها من أقدم المناطق وأكبرها مشيراً إلى أن مناطق المملكة تحتاج إلى إقامة مثل هذه الصالات الاجتماعية لتعميق اللحمة الوطنية.ومن أهل المدينة أيضاً، التقيت عبد الله مبارك الذي قال إن الحديقة الحالية "خربة” فألعابها منتهية الصلاحية وكراسيها غير لائقة ولا توجد فيها أضواء مما تسبب في عقد بعض اللقاءات المشبوهة فيها.أما إبراهيم بلال فشكا من الضغط الذي تعاني منه صالات المناسبات "المعدودة” في مدينة عيسى، مؤكداً أن إقامة صالة مناسبات في موقع الحديقة الحالية هو "عين العقل”.وفي الشأن نفسه التقيت الحاج عبدالله عيسى الذي يسكن مدينة عيسى منذ أكثر من خمسين سنة، وقال إنه تحدث إلى عدد نواب المنطقة وممثليها البلديين في السابق إلا أنه لم يجد من يتحرك بجدية لتحقيق مطالب الأهالي.أما زكي عبدان فطالب بأن يتحرك المسؤولون بسرعة و«قبل فوات الأوان” وأن تستغل هذه المساحة في الصالح العام، مقترحاً أن تبنى الصالة في الطابق الأرضي وتبنى فوقها طوابق عدة يمكن استغلالها في أنشطة طيبة.نحو التحرك الجاداختتمت جولتي في هذا التحقيق بالاتصال بنائب المنطقة عدنان المالكي الذي وقف مع مطالب الأهالي في استملاك الحديقة وتحويلها إلى صالة، وقال إنها فرصة لتكون مجلساً للمناسبات ولقاء المواطنين والمسؤولين تدعيماً للمسيرة الديمقراطية، لافتاً إلى ضرورة أن لا تتبع وزارة الشؤون الإسلامية، وقال: نحن نحترم قوانين الوزارة ولكنها ستحد من صلاحيات الصالة لذا فنحن نريد أن تكون تبعيتها إلى وزارة البلديات.انتهى التحقيق ونحن بانتظار التحرك الرسمي الذي سيصاحبه، بالتأكيد، تحرك شعبي لكي يرى أهالي مدينة عيسى مشروعهم الكبير على أرض الواقع تدعيماً لصورتهم المشرقة المحافظة على التلاحم الوطني.
Files
مدينة عيسـى تنتظر المشروعات الخدمية للخروج من «ملف النسيان»
27 مايو 2012