كتب- إبراهيم عبدالرحمن مطر: أتذكر جيداً عندما كنا أطفالاً كيف كان الآباء يحفظون أطفالهم من اللعب خارج المنزل، خوفاً من تعرضهم لأيِّ مكروه، خصوصاً في العطله الصيفيه، لكن اللعب من طبيعة الأطفال سواء في "حوش” البيت متى كان واسعا، أو في "الفريج”، حيث المساحه أكبر، لكن الجانب الأهم هنا هو استكشاف عالم الأطفال والأشياء الجديدة التي يتعرفون عليها ويتلمسونها عن قرب، رغبة في إشباع رغباتهم المتعطشه لفهم المجهول.فما الذي يفعله الآباء لمنع أطفالهم من اللعب في الخارج، خصوصاً في الظهيرة نظراً لارتفاع درجة الحراره، ووجود أغلب الناس في بيوتهم؟ يقولون لهم "لا تطلعون من البيت الحين لأن أم الخضر والليف في السكة”، كل ذلك ليكونوا تحت أنظارهم. وكان الأطفال يخافون بالفعل، ويبقون في البيت ظناً منهم أنَّ أم الخضر والليف ساحره قد تخطفهم وتفقدهم أرواحهم، لكن الحقيقه هي إنَّ أم الخضر والليف ما كانت سوى النخله. حمارة القايله بانتظاركم أما إذا كان الوقت ضحى، فإنَّ الآباء والأمهات يخوّفون أبناءهم بحمارة القايلة، ويقولون: "يلسوا لعبوا في حوش البيت تحملوا إطلعون الحين ترى حمارة القايله برع إذا صادتكم بتاكلكم”. الحقيقه إنه لم تكن هناك "حمارة قايله” كما يصورها أهل الأطفال على أنها متوحشه تأكل الناس! فالحمير حيوانات أليفة، تستخدم لنقل البضائع والحاجيات في ذلك الوقت، خصوصاً داخل الفرجان، حيث كان الكثيرون يستخدمون الحمير وسيله نقل من البيت إلى السوق، يحملونها حاجيات البيت. لقد كان الحمير تتواجد بكثره وفي جميع مدن وقرى البحرين، حتى ثمانينات القرن الماضي، حيث تقلّص عددها، فأصبحنا نشتاق رؤيتها، ليست الحمير وحسب، بل حتى البقر والغنم، فهذه المواشي كانت تعيش في أغلب بيوتات أهل البحرين، لدرجة أنه لا يوجد فريج في أيِّ منطقة في البحرين ليست به مواش. عندما كنت طفلاً أتذكر أنَّ والدتي رحمها الله كانت ترسلني إلى بيت قريب من بيتنا، لشراء لبن بقر طازج، نشربه لوحده أو مع الشاي، وكان بمثابة غذاء كامل للإنسان. وهو ما دفع بعض المتمكنين مالياً منذ نهاية الثمانينات لإنشاء مزارع حديثة لتربية هذه المواشي، بها معدات حديثة لضخ حليب الأبقار وتعبئتها في علب بلاستيكيه، وأخرى من الورق المقوى بأحجام وأوزان مختلفة تصدر للناس. أم حمار للكبار لا الصغار في المساء كان الآباء والأمهات يخوِّفون أبناءهم بالساحرة، ويقولون لأولادهم الصغار: "تحملوا اطلعون في الليل ترى بتلاقيكم الساحرة”. والمقصود بها "أم حمار”، لكن أم حمار كانت تخيف الرجال المتزوجين أيضاً، وكانت النساء تحذر أزواجهم من الخروج ليلاً خوفاً عليهم من أم حمار، التي كانت ستخطف أرواحهم وتذهب بها بعيداً، غيرة منهن على أزواجهم ورغبة في بقائهم في البيت. لقد كانت تلك الأكاذيب أكاذيب بيضاء، دافعها الخوف على الأبناء، والخوف من مخلوقات الله عزوجل في الأرض والسماء. وكما كانت قلوب الأمهات وأزواجهم على أبنائهم ، كانت قلوبهن أيضاً استقرار حياتهم الزوجية ببقاء أزواجهم في البيت.